سورة المدثر
مكية وآياتها ٥٦ نزلت بعد المزمّل
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) وزنه متفعل ومعناه الذي تدثر في كساء أو ثياب وتسميته بذلك كتسميته بالمزمل ، حسبما ذكرنا في موضعه. وقال السهيلي : في ندائه بالمدثر ثلاثة فوائد : الاثنتان اللتان ذكرنا في المزمل وفائدة ثالثة وهي أن العرب يقولون : النذير العريان ، للنذير الذي يكون في غاية الجد والتشمير ، والنذير بالثياب ضد هذا ، فكأنه تنبيه على ما يجب من التشمير ، وقيل : إن هذه أول سورة نزلت من القرآن : والصحيح أن سورة اقرأ نزلت قبلها (قُمْ فَأَنْذِرْ) أي أنذر الناس وهذه بعثة عامة (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) أي عظّمه ويحتمل أن يريد قول : الله أكبر ويؤيد ذلك ما روي عن أبي هريرة أن المسلمين قالوا : بم نفتتح صلاتنا فنزلت : وربك فكبر وقوله : وربك فكبر : من المقلوب الذي يقرأ طردا وعكسا من أوله وآخره (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) فيه ثلاثة أقوال أحدها أنه حقيقة في تطهير الثياب من النجاسة واختلف في هذا هل يحمل على الوجوب ، فتكون إزالة النجاسة واجبة أو على الندب فتكون سنة ، والآخر أنه يراد به الطهارة من الذنوب والعيوب ، فالثياب على هذا مجاز ، الثالث : أن معناه لا تلبس الثياب من مكسب خبيث (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (١) فيه ثلاثة أقوال ، أحدها : أن الرجز الأوثان ، روي ذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو قول عائشة ، والآخر أن الرجز السخط والعذاب وهذا أصله في اللغة ، فمعناه اهجر ما يؤدي إليه ويوجبه ، الثالث : أنه المعاصي والفجور ، قال بعضهم كل معصية رجز (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) يحتمل قوله : (تَمْنُنْ) أن يكون بمعنى العطاء أو بمعنى المنّ وهو ذكر العطاء وشبهه ، أو بمعنى الضعف فإن كان بمعنى العطاء ففيه وجهان ، أحدهما : أن معناه لا تعط شيئا لتأخذ أكثر منه ، قال بعضهم : هذا خاص بالنبي صلىاللهعليهوسلم ومباح لأمّته ، والآخر : لا تعط الناس عطاء وتستكثره ، لأن الكريم يستقل ما يعطي وإن كثيرا ، وإن كان من المنّ بالشيء ففيه وجهان ،
__________________
(١). قرأ حفص والرّجز بضم الراء والباقون بكسر الراء.