الأخنس بن شريق والأسود بن عبد يغوث اجتمعا وقال الأخنس : أترى الله يسمع سرنا ، فقال الآخر : يسمع نجوانا ولا يسمع سرنا (سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) السرّ ما يحدث الإنسان به نفسه أو غيره في خفية ، والنجوى : ما تكلموا به فيما بينهم (بَلى) أي نسمع ورسلنا مع ذلك تكتب ما يقولون ، والرسل هنا الملائكة الحافظون للأعمال.
(قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) في تأويل الآية أربعة أقوال : الأول أنها احتجاج وردّ على الكفار ، على تقدير قولهم ، ومعناها لو كان للرحمن ولد كما يقول الكفار لكنت أنا أول من يعبد ذلك الولد ؛ كما يعظم خدم الملك ولد الملك لتعظيم والده ، ولكن ليس للرحمن ولد ، فلست بعابد إلا الله وحده ، وهذا نوع من الأدلة يسمى دليل التلازم ؛ لأنه علق عبادة الولد بوجوده ، ووجوده محال فعبادته محال ، القول الثاني إن كان للرحمن ولد فأنا أول من عبد الله وحده ، وكذبكم في قولكم أن له ولدا ، والعابدين على هذين القولين بمعنى العبادة ، القول الثالث أن العابدين بمعنى المنكرين : يقال عبد الرجل إذا أنف وتكبر وأنكر الشيء ، والمعنى : إن زعمتم أن للرحمن ولدا فأنا أول المنكرين لذلك ، وإن على هذه الأقوال الثلاثة شرطية ، القول الرابع قال قتادة وابن زيد : إن هنا نافية بمعنى ما كان للرحمن ولد وتم الكلام ، ثم ابتدأ قوله فأنا أول العابدين ، والأول هو الصحيح لأنه طريقة معروفة في البراهين والأدلة ، وهو الذي عوّل عليه الزمخشري ، وقال الطبري : هو ملاطفة الخطاب ونحوه قوله تعالى (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ :
٢٤] وقال ابن عطية منه قوله تعالى في مخاطبة الكفار (أَيْنَ شُرَكائِيَ) [النحل : ٢٧] يعني شركائي على قولكم (فَذَرْهُمْ) الآية موادعة منسوخة بالسيف.
(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) أي هو الإله لأهل الأرض وأهل السماء ، والمجرور يتعلق بإله ، لأن فيه معنى الوصفية (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي علم زمان وقوعها (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ) أي لا يملك كل من عبد من دون الله أن يشفع عند الله ، لأن الله لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه فهو المالك للشفاعة وحده (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) اختلف هل يعني بمن شهد بالحق الشافع أو المشفوع فيه ، فإن أراد المشفوع فيه فالاستثناء منقطع ، والمعنى لا يملك المعبودون شفاعة ؛ لكن من شهد بالحق وهو عالم به فهو الذي يشفع فيه ، ويحتمل على هذا أن يكون من شهد مفعولا بالشفاعة على إسقاط حرف الجر تقديره : الشفاعة فيمن شهد بالحق ، وإن أراد بمن شهد