في الآخرة يجعل الله لهم نورا من أثر السجود كما يجعل غرة من أثر الوضوء وهذا بعيد لأن قوله : تراهم ركعا سجدا وصف حالهم في الدنيا فكيف يكون سيماهم في وجوههم كذلك ، والأول أظهر ، وقد كان بوجه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وعلي بن عبد الله بن العباس أثر ظاهر من أثر السجود (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) أي وصفهم فيها وتم الكلام هنا ، ثم ابتدأ قوله ومثلهم في الإنجيل ، كزرع ، وقيل : إن مثلهم في الإنجيل عطف على مثلهم في التوراة ثم ابتدأ قوله : كزرع وتقديره هم كزرع ، والأول أظهر ، ليكون وصفهم في التوراة بما تقدم من الأوصاف الحسان ، وتمثيلهم في الإنجيل بالزرع المذكور بعد ذلك ، وعلى هذا يكون مثلهم في الإنجيل بمعنى التشبيه والتمثيل. وعلى القول الآخر يكون المثل بمعنى الوصف كمثلهم في التوراة (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) هذا مثل ضربه الله للإسلام حيث بدأ ضعيفا ، ثم قوي وظهر. وقيل : الزرع مثل للنبي صلىاللهعليهوسلم لأنه بعث وحده وكان كالزرع حبة واحدة ، ثم كثر المسلمون فهم كالشطء ، وهو فراخ السنبلة التي تنبت حول الأصل ، ويقال : بإسكان الطاء وفتحها بمد وبدون مد وهي لغات (فَآزَرَهُ) أي قوّاه وهو من الموازرة بمعنى المعاونة ويحتمل أن يكون الفاعل الزرع ، والمفعول شطأه أو بالعكس ؛ لأن كل واحد منهما يقوّي الآخر ، وقيل : معناه ساواه طولا فالفاعل على هذا الشطأ ووزن آزره فاعله وقيل أفعله ، وقرئ بقصر الهمزة على وزن فعل (فَاسْتَغْلَظَ) أي صار غليظا (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) جمع ساق أي قام الزرع على سوقه ، وقيل : قوله : كزرع يعني النبي صلىاللهعليهوسلم أخرج شطأه بأبي بكر فآزره بعمر فاستغلظ بعثمان فاستوى على سوقه بعليّ بن أبي طالب (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) تعليل لما دل عليه المثل المتقدم من قوّة المسلمين فهو يتعلق بفعل يدل عليه الكلام تقديره : جعلهم الله كذلك ليغيظ بهم الكفار ، وقيل : يتعلق بوعد وهو بعيد (مِنْهُمْ) لبيان الجنس لا للتبعيض لأنه وعد عم جميعهم رضي الله عنهم.