الله هذه الآية ، والدولة بالضم والفتح ما يدول الإنسان أي يدور عليه من الخير ، ويحتمل أن يكون من المداولة ، أي كي لا يتداول ذلك المال الأغنياء بينهم ويبقى الفقراء بلا شيء.
(وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) نزلت بسبب الفيء المذكور : أي ما أتاكم الرسول من الفيء فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا ، فكأنها أمر للمهاجرين بأخذ الفيء ونهي للأنصار عنه ، ولفظ الآية مع ذلك عام في أوامر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو نواهيه ، ولذلك استدل بها عبد الله بن مسعود على المنع من لبس المحرم المخيط ولعن الواشمة والواصلة في القرآن لورود ذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(لِلْفُقَراءِ) هذا بدل من قوله لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ليبين بذلك أن المراد المهاجرين ، ووصفهم بأنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم ؛ لأنهم هاجروا من مكة وتركوا فيها أموالهم وديارهم (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) هم الأنصار والدار هي المدينة لأنها كانت بلدهم ، والضمير في قبلهم للمهاجرين ، فإن قيل : كيف قال تبوؤا الدار والإيمان وإنما تتبوّأ الدار. أي تسكن ولا يتبوأ الإيمان؟ فالجواب من وجهين : الأول أن معناه تبوؤا الدار وأخلصوا الإيمان فهو كقولك : فعلفتها تبنا وماء باردا : تقديره : علفتها تبنا وسقيتها ماء باردا ، الثاني أن المعنى أنهم جعلوا الإيمان كأنه موطن لهم لتمكنهم فيه ، كما جعلوا المدينة كذلك. فإن قيل : قوله من قبلهم يقتضي أن الأنصار سبقوا المهاجرين بنزول المدينة وبالإيمان ، فأما سبقهم لهم بنزول المدينة فلا شك فيه لأنها كانت بلدهم ، وأما سبقهم لهم بالإيمان فمشكل ، لأن أكثر المهاجرين أسلم قبل الأنصار. فالجواب من وجهين : أحدهما أنه أراد بقوله من قبلهم من قبل هجرتهم ، والآخر أنه أراد تبوؤا الدار مع الإيمان معا. أي جمعوا بين الحالتين قبل المهاجرين ، لأن المهاجرين إنما سبقوهم بالإيمان لا بتبوّئ الدار فيكون الإيمان على هذا مفعولا معه ، وهذا الوجه أحسن ، لأنه جواب عن هذا السؤال وعن السؤال الأول ، فإنه إذا كان الإيمان مفعولا معه لم يلزم السؤال الأول ، إذ لا يلزم إلا إذا كان الإيمان معطوفا على الدار.
(وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) قيل : إن الحاجة هنا بمعنى الحسد ، ويحتمل أن تكون بمعنى الاحتجاج على أصلها ، والضمير في يجدون للأنصار ، وفي أوتوا المهاجرين ، والمعنى. أن الأنصار تطيب نفوسهم بما يعطاه المهاجرون من الفيء وغيره ، ولا يجدون في صدورهم شيئا بسبب ذلك (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ) أي يؤثرون غيرهم بالمال على أنفسهم ولو كانوا في غاية الاحتياج ، والخصاصة هي الفاقة ، وروي أن سبب هذه