من المضرات (ثُمَّ يُنْجِيهِ) الفاعل الافتداء الذي يقتضيه لو يفتدي ، وهذا الفعل معطوف على لو يفتدى وإنما عطفه بثم إشعارا ببعد النجاة وامتناعها ، ولذلك زجره عن ذلك بقوله (كَلَّا إِنَّها لَظى) الضمير للنار لأن العذاب يدل عليها ، ويحتمل أن يكون ضمير القصة وفسره بالخبر ولظى علم لجهنم مشتق من اللظى بمعنى اللهب (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) الشوى أطراف الجسد ، وقيل : جلد الرأس ، فالمعنى أن النار تنزعها ثم تعود ، ونزاعة بالرفع (١) بدل من لظى أو خبر ابتداء مضمر أو خبر لأنها إن جعلنا لظى منصوبا على التخصيص أو بدل من الضمير ، أو خبر ثان لأنها إن جعلنا لظى خبر لها ونزاعة بالنصب حال (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) يعني الكفار الذين تولوا عن الإسلام ، ودعاؤها لهم عبارة عن أخذها لهم ، وقال ابن عباس : تدعوهم حقيقة بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وقيل : معناه تهلك ، حكاه الخليل عن العرب (وَجَمَعَ فَأَوْعى) يقال : أوعيت المال وغيره إذا جمعته في وعاء ، فالمعنى جمع المال وجعله في وعاء ، وهذه إشارة إلى قوم من أغنياء الكفار جمعوا المال من غير حله ومنعوه من حقه.
(إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) الإنسان هنا اسم جنس بدليل الاستثناء منه ، سئل أحمد بن يحيى مؤلف الفصيح عن الهلوع فقال : قد فسره الله فلا تفسيرا أبين من تفسيره وهو قوله : (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) وذكره الله على وجه الذم لهذه الخلائق ، ولذلك استثنى منه المصلين ، لأن صلاتهم تحملهم على قلة الاكتراث بالدنيا ، فلا يجزعون من شرها ولا يبخلون بخيرها (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) الدوام عليها هو المواظبة بطول العمر ، والمحافظة عليها المذكورة بعد ذلك هي أداؤها في أوقاتها وتوفية الطهارة لها (حَقٌّ مَعْلُومٌ) قد ذكرنا في الذاريات [١٩] معنى حق والسائل والمحروم ، ووصفه هنا بالمعلوم إن أراد الزكاة فهي معلومة المقدار شرعا ، وإن أراد غيرها فمعنى المعلوم ، أن العبد يجعل على نفسه وظيفة معلومة عنده (غَيْرُ مَأْمُونٍ) أي لا يكون أحد آمنا منه فإن الأمن من عذاب الله حرام ، فلا ينبغي للعبد أن يزيل عنه الخوف حتى يدخل الجنة (لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ) ذكر في المؤمنين [٨] وكذلك (لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ)(وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) (٢) قال ابن عباس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ،
__________________
(١). قرأ حفص : نزاعة بالنصب والباقون بالرفع.
(٢). قوله لأماناتهم وبشهاداتهم هي قراءة حفص : وقرأ الباقون أماناتهم ما عدا ابن كثير ، كما قرءوا بشهادتهم بالإفراد ما عدا حفص.