بمعنى غير (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) الطرائق : المذاهب والسير وشبهها ، والقدد المختلفة وهو جمع قدة. وهذا بيان للقسمة المذكورة قبل ، وهو على حذف مضاف أي كنا ذوي طرائق (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ) الظن هنا بمعنى العلم ، وقال ابن عطية : هذا إخبار منهم عن حالهم بعد إيمانهم ، ويحتمل أن يكونوا اعتقدوا هذا الاعتقاد قبل إسلامهم (سَمِعْنَا الْهُدى) يعنون القرآن (فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) البخس النقص والظلم ، والرهق تحمل ما لا يطاق ، وقال ابن عباس : البخس نقص الحسنات ، والرهق الزيادة في السيئات.
(وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) يعني الظالمين : يقال قسط الرجل إذا جار ، وأقسط بالألف إذا عدل. هاهنا انتهى ما حكاه الله من كلام الجن ، وأما قوله : فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا يحتمل أن يكون من بقية كلامهم. أو يكون ابتداء كلام الله تعالى وهو الذي اختاره ابن عطية ، وأما قوله : وأن لو استقاموا فهو من كلام الله باتفاق وليس من كلامهم (تَحَرَّوْا) أي قصدوا الرشد (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) الماء الغدق الكثير وذلك استعارة في توسيع الرزق ، والطريقة هي طريقة الإسلام وطاعة الله ، فالمعنى لو استقاموا على ذلك لوسع الله أرزاقهم فهو كقوله : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف : ٩٦] وقيل : هي طريقة الكفر ، والمعنى على هذا : لو استقاموا على الكفر لوسع الله عليهم في الدنيا أملاكهم استدراجا ، ويؤيد هذا قوله (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) والأول أظهر ، والضمير في استقاموا يحتمل أن يكون للمسلمين أو للقاسطين المذكورين ، أو لجميع الجن أو للجن الذين سمعوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو لجميع الخلق (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) إن كانت الطريقة الإيمان والطاعة ، فمعنى الفتنة الاختبار هل يسلمون أم لا؟ وإن كانت الطريقة الكفر فمعنى الفتنة الإضلال والاستدراج نسلكه عذابا صعدا (١) معنى نسلكه ندخله والصعد الشديد المشقة ، وهو مصدر صعد يصعد ، ووصف بالمصدر للمبالغة يقال : فلان في صعد أي في مشقة. وقيل : صعدا جبل في النار.
(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) أراد المساجد على الإطلاق وهي بيوت عبادة الله ، وروي أن الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة ، وقيل : أراد الأعضاء التي يسجد عليها ، واحدها مسجد بفتح الجيم وهذا بعيد ، وعطف أن المساجد لله على أوحي إليّ أنه استمع وقال الخليل : معنى الآية : لأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ، أي لهذا السبب فلا تعبدوا غير الله.
__________________
(١). قرأ نافع وآخرون بالنون : نسلكه ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي : يسلكه بالياء.