فأتني بها فأتى بها فتلاعنا وفرق رسول الله صلىاللهعليهوسلم بينهما (١).
وموجب اللعان عند مالك شيئان : أحدهما أن يدعي الزوج أنه رأى امرأته تزني. والآخر أن ينفي حملها ويدعى الاستبراء قبله ، فإذا تلاعن الزوج تعلقت به ثلاثة أحكام : نفي حدّ القذف عنه ، وانتفاء سبب الولد منه ، ووجوب حدّ الزنا عليها إن لم تلاعن ، فإن تلاعنت سقط الحدّ عنها ، ولفظ الآية عام في الزوجات الحرائر والمماليك ، والمسلمات والكافرات والعدول وغيرهم ، وبذلك أخذ مالك واشترط في الزوج الإسلام واشترط أبو حنيفة أن يكونا مسلمين حرين عدلين (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) أي يقول الزوج أربع مرات : أشهد بالله لقد رأيت هذه المرأة تزنى ، أو أشهد بالله ما هذا الحمل مني ؛ ولقد زنت وإني في ذلك لمن الصادقين ، ثم يقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، وزاد أشهب أن يقول : أشهد بالله الذي لا إله إلا هو ، وانتصب : أربع شهادات بالله على المصدرية ، والعامل فيه شهادة أحدهم وقرأ [حمزة والكسائي وحفص] بالرفع وهو خبر شهادة أحدهم ، وقوله : بالله وإنه لمن الصادقين من صلة أربع شهادات أو من صلة شهادة أحدهم (وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) [قرأ حفص] بنصب الخامسة هنا وفي الموضع الثاني ، وانتصب بفعل مضمر تقديره ويشهد الخامسة ، أو بالعطف على أربع شهادات على قراءة النصب ، وقرأ الباقون بالرفع على الابتداء أو عطف على أربع شهادات بقراءة الرفع ، وقرئ أن لعنة ، وأن غضب : بتشديد أن ، ونصب اسمها وقرأ نافع بتخفيفها ورفع اللعنة والغضب على الابتداء (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) العذاب هنا حدّ الزنا ، أي يدفعه التعان المرأة ، وهي أن تقول أربع مرات : أشهد بالله ما زنيت ، وإنه في ذلك لمن الكاذبين ، ثم تقول في الخامسة : غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ويتعلق بالتعانها ثلاثة أحكام : دفع الحدّ عنها ، والتفريق بينها وبين زوجها ، وتأبيد الحرمة (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) جواب لو محذوف هنا وفي الموضع الآخر تقديره لو لا فضل الله عليكم لآخذكم ، أو نحو هذا.
(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) الإفك : أشدّ الكذب ، ونزلت هذه الآية وما بعدها إلى تمام ستة عشر آية في شأن سيدتنا عائشة رضي الله عنها وفي براءتها مما رماها به أهل الإفك ، وذلك أن الله برأ أربعة بأربعة برأ يوسف بشهادة الشاهد من أهلها ، وبرأ موسى من قول اليهود بالحجر الذي ذهب بثوبه ، وبرأ مريم بكلام ولدها في حجرها ، وبرأ عائشة من الإفك بإنزال القرآن في شأنها ، ولقد تضمنت هذه الآيات الغاية القصوى في الاعتناء بها ، والكرامة لها والتشديد على من قذفها.
__________________
(١). الحديث بكامله في صحيح البخاري ج ٦ ص ٣. عن سهل بن سعد.