الأعجم ، ومعنى الآية : أن القرآن لو نزل على من لا يتكلم ، ثم قرأه عليهم لا يؤمنوا لإفراط عنادهم ، ففي ذلك تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم على كفرهم به مع وضوح برهانه (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) معنى سلكناه. أدخلناه ، والضمير للتكذيب الذي دل عليه ما تقدم من الكلام ، أو للقرآن أي سلكناه في قلوبهم مكذبا به ، وتقدير قوله : كذلك مثل هذا السلك سلكناه ، والمجرمين : يحتمل أن يريد به قريشا أو الكفار المتقدمين ولا يؤمنون : تفسير للسلك الذي سلكه في قلوبهم (فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) تمنوا أن يؤخروا حين لم ينفعهم التمني (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) توبيخ لقريش على استعجالهم بالعذاب في قولهم : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : ٣٢] وشبه ذلك (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ) المعنى أن مدّة إمهالهم لا تغني مع نزول العذاب بعدها ، وإن طالت مدة سنين ، لأن كل ما هو آت قريب ، قال بعضهم «سنين» يريد به عمر الدنيا (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) المعنى أن الله لم يهلك قوما إلا بعد أن أقام الحجة عليهم بأن أرسل إليهم رسولا فأنذرهم فكذبوه (ذِكْرى) منصوب على المصدر من معنى الإنذار ، أو على الحال من الضمير من منذرون ، أو على المفعول من أجله ، أو مرفوع على أنه خبر ابتداء مضمر (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ) الضمير للقرآن ، وهو ردّ على من قال أنه كهانة نزلت به الشياطين على محمد (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ) أي ما يمكنهم ذلك ولا يقدرون عليه ، ولفظ : ما ينبغي تارة يستعمل بمعنى لا يمكن وتارة بمعنى لا يليق (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) تعليل لكون الشياطين لا يستطيعون الكهانة ، لأنهم منعوا من استراق السمع منذ بعث محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقد كان أمر الكهان كثيرا منتشرا قبل ذلك.
(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) عشيرة الرجل هم قرابته الأدنون ، ولما نزلت هذه الآية أنذر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قرابته فقال : يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، ثم نادى كذلك ابنته فاطمة وعمته صفية (١) ، قال الزمخشري : في معناه قولان : أحدهما أنه أمر أن يبدأ بإنذار أقاربه قبل غيرهم من الناس ، والآخر أنه أمر أن لا يأخذه ما يأخذ القريب من الرأفة بقريبه ، ولا يخافهم بالإنذار (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) عبارة عن لين
__________________
(١). الحديث رواه مسلم عن أبي هريرة في كتاب الإيمان ج ١ / ١٩٢ وأوله يا بني كعب بن لؤي.