وبعد أن خدم العلم وفتح باب الاجتهاد ، وعاش حياته العلمية أدركته الوفاة وكان ذلك سنة (٥٩٨) قدّس الله نفسه الزكية.
المحقق الحلّي :
وكانت الحركة العلمية التي أوجدها ابن ادريس مستمرة ، وأخذت تنمو وتتسع جيلا بعد جيل ، وفي هذا المجال برز نوابغ ورجال وألّفوا كتبا في الفقه والأصول ، وكان لهم سهم عظيم في إبقاء هذه الحركة واستمرارها ونشاطها فمنهم : المحقّق نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن الحلّي الملقّب بالمحقق ، وهو من المعدودين من علماء الطائفة في اختصاص هذا اللقب به وعدم مشاركته به غيره.
ولد عام (٦٠٢) في الحلة ، وتعلّم بها وتتلمذ على يد تلامذة ابن ادريس ، وأصبح من أكبر علماء الاسلام.
قال ابن داود الحلّي في شأنه : المحقّق المدقّق الإمام العلّامة واحد عصره ، كان ألسن أهل زمانه ، وأقومهم بالحجة ، وأسرعهم استحضارا ... (١)
ومن أعظم تلامذته ابن أخته العلّامة الحلّي ، السيد عبد الكريم بن طاوس ، ومحمد بن علي بن طاوس ، وصفي الدين الحلي ، وابن داود.
ويحكي لنا العلامة الخوانساري عن فراسة هذا المحقق انّه حضر المحقق الطوسي خواجه نصير الدين ذات يوم حلقة درس المحقق بالحلة ، فقطع المحقق الدرس تعظيما له ، وإجلالا لمنزلته ، فالتمس منه الخواجة إتمام الدرس ، فجرى البحث في مسألة استحباب التياسر للمصلّي بالعراق ، فأورد المحقق خواجة نصير الدين : بأنّه لا وجه لهذا الاستحباب لأنّ التياسر إن كان من القبلة الى غير القبلة فهو حرام ، وإن كان من غيرها إليها فهو واجب؟
فأجاب المحقق الحلّي : بأنّه من القبلة الى القبلة.
__________________
(١) الكنى والألقاب ٣ : ١٣٤.