وعظمت مدرسة الكوفة عند ما كان الإمام الصادق فيها ، فعكف حوله الفقهاء والرواة بحيث كان يصعب الوصول اليه ، قال محمد بن معروف الهلالي : مضيت الى الحيرة الى جعفر بن محمد «ع» فما كان لي فيه حيلة من كثرة الناس فلمّا كان اليوم الرابع رآني فأدناني وتفرّق الناس عنه ، ومضى يريد قبر أمير المؤمنين «ع» فتبعته وكنت أسمع كلامه وأنا معه أمشي (١).
وكان مدة بقاء الامام الصادق في الكوفة في أيّام أبي العبّاس السّفّاح حوالي سنتين.
فكان الصادق «ع» في هذه الفترة ينشر أصول المذهب الشيعي ، لعدم وجود معارضة قوية من قبل السلطات ، فازدلفت إليه الشيعة من جميع الجوانب لتأخذ منه العلم ، وترتوي من منهله العذب ، وتروي عنه الأحاديث في مختلف العلوم.
ملامح مدرسة الكوفة :
انّ مدرسة الكوفة التي وضعت بذرتها الأولى أيّام أمير المؤمنين علي «ع» ثمّ في عصر الصادق «ع» وبعده أخذت تنمو وتزدهر ، فكان من النتاج في مدرسة الكوفة نهج البلاغة الذي هو أعظم كتاب اسلامي بعد كتاب الله الشريف ، القى الامام أمير المؤمنين علي «ع» معظم مواده من على منبر الكوفة ، فهذا النتاج الفكري والأدبي الشيعي الأصيل ممّا قدّمته مدرسة الكوفة.
كما انّ الامام علي «ع» أملى قواعد النحو على أبي الأسود الدؤلي في الكوفة ، وكذا أنتجت لنا الكوفة الهاشميات الخالدات للكميت الأسدي الذي كانت الكوفة موطنه.
ومن ملامح مدرسة الكوفة أن أخرجت الفقهاء ، والمحدثين الذين شاركوا في تدوين الأصول الحديثية والتراث الذي هو بين أيدي الامامية والمندرجة في المجاميع الشيعية ، وفي هذا المجال يقول محمد بن عيسى القمي : خرجت الى الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن علي الوشاء فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين
__________________
(١) مقدمة شرح اللمعة / ٣٣.