في مدرسة الشيعة في بغداد ، وأن يشاركوا في تنظيم مناهج الاستنباط والاجتهاد ، ويؤصّلوا الأصول ، ويضعوا مناهج البحث للأصول ، ويفرّعوا المسائل ، ويضعوا أصول الدراسة المقارنة والخلافية في الفقه ، وما الى ذلك من الخدمات والتراث الذي ما زال باقيا من أثر جهودهم الجبارة.
ملامح مدرسة بغداد :
وعند استعراضنا لمدرسة المدينة والكوفة وقم تبيّن مدى تقدّم هذه المدارس في العلوم الاسلامية ، وكان التقدّم الملموس فيها في حدود استعراض السنة وتدوين الأحاديث ، ولم نظفر من عملية الاجتهاد وابداء الآراء الجديدة في مجالات مختلفة ، كما نلمس ذلك في مدرسة بغداد من بين البحوث المذكورة في كتب السيد والشيخ الطوسي ، ويمكن عدّ هذه المرحلة بأنّها مرحلة التطوّر الحديث في العلوم الاسلامية في مدرسة أهل البيت ، كما انّ في استعراضنا للمدارس الأصولية الثلاثة لاحظنا مدى تأثير جهود زعماء المدرسة البغدادية في تأسيس المدرسة الأولى ، كما انّه يمكن أن نعتبر تلك المدرسة اللبنة الأساسية لظهور المدرستين بعدها ، ويمكن اثبات المميّزات في مدرسة بغداد :
١ ـ نرى الجهود تتواصل في هذه المدرسة في سبيل معالجة النصوص المدونة في المدارس السالفة ، ولم يقتنعوا بجمعها وبحثها فقط ، كما كانت الحالة سابقا ، فالبحوث تراها تنفصل جذريا ولم تبحث المسائل بشكل مختلط ، بل المسائل الفقهية انفصلت بدراسة خاصة عن المسائل الأصولية والكلامية ، كما يتّضح ذلك من كتب السيد في الذريعة الذي أعدّه خاصة للمسائل الأصولية ، وكما انّ الشيخ الطوسي خصّص العدة لمسائل الأصول ، بعد أن كان السلف يبحثون عن تلك المسائل بصورة موجزة واستطرادية لا بصورة منفصلة وشاملة.
٢ ـ انّ المسائل الفقهية كانت على الأكثر نفس الأحاديث وبعين تلك الألفاظ المذكورة في الحديث ، ولم تقع المسائل الفقهية في معرض البحث والنقاش في المدارس السابقة ، وامّا في مدرسة بغداد ظهرت مدرسة فقهية حديثة لا ترتبط من حيث الصورة