بالمدارس السالفة ، فلها طابعها الخاصّ وأخذها الفروع والمسائل التي لم تكن لها سابقة تعرض في هذه المدرسة ، وكلّ ذلك لأجل اعمال قواعد الاجتهاد في الفقه ، والمعالجة الصناعية لأدلة الأحكام واستعراض الأحاديث واستخراج فروع جديدة وقواعد عامة منها وعدم الاكتفاء بحدود المسائل المدونة ، وعملية ابداع الفروع من الأصول توسّعت بصورة خاصة في كتب الشيخ الطوسي ، وبالأخص منها المبسوط ، وذكر الطوسي نفسه سبب تأليفه هذا الكتاب حيث يقول :
امّا بعد فانّي لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقّهة والمنتسبين الى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الامامية ويستنزرونه ، وينسبونهم الى قلة الفروع وقلة المسائل (١).
يظهر انّ اكتفاء علمائنا سلفا بذكر النصوص وعدم استخراج الفروع كان سببا لطعن المخالفين على الفقه الشيعي ، فأوجب ذلك الى تأليف كتاب المبسوط وسدّ هذا الفراغ في الفقه الامامي.
٣ ـ والظاهرة الأخرى الملموسة من ملامح هذه المدرسة الدراسات المقارنة في مسائل الفقه والأصول والكلام ، والعامل لحدوث هذه الظاهرة في ممارسة العمل العلمي في مدرسة بغداد هي وجود المدارس الأخرى فيها ، فكان من الطبيعي بعد ان فرضت المدرسة الشيعية في ذلك المحيط المملوء بمدارس تستبطن العداء لمدرسة أهل البيت ان تشتبك بإثارة المسائل الخلافية ، وكان نتيجة هذا الاصطدام بين المدرسة الامامية والمدارس المخالفة لها محاولة جديدة من فقهاء مدرسة الشيعة لافناد الشبهات الواردة من مخالفيهم ، كما ترى ذلك في أوائل المقالات للمفيد وكتب السيد الكلامية ، وفي اطار المسائل الفقهية أيضا أخذ فقهاء الشيعة مقارنة المسائل الفقهية الخلافية ودرسها بصورة منفصلة عن البحث الفقهي المرسوم ، فكان حصيلة هذه الدراسة كتاب الخلاف الذي ألفه الشيخ الطوسي في هذا المجال ، فاستعرض الطوسي في كتابه الخلاف كلّ مسألة فقهية تخالف لمذهب أهل السنة وذكر مستند كلا الجانبين
__________________
(١) مقدمة كتاب المبسوط / ١ ـ ٢.