لم يتم دليل من الدلائل على اثبات الواجب ، وذلك انّ الدلائل التي ذكروها مبنيّة على ابطال التسلسل ولم يتم برهان على بطلانه ، فاذا لم يتم دليل على هذا المطلب الجليل الذي توجهت الى الاستدلال عليه كافة الخلائق ، فكيف يتم على غيره ممّا توجهت إليه آحاد المحقّقين؟ وإن كان المراد به ما كان مقبولا بزعم المستدل به واعتقاده ، فلا يجوز لنا تكفير الحكماء والزنادقة ولا تفسيق المعتزلة والأشاعرة ، ولا الطعن على من يذهب الى مذهب يخالف ما نحن عليه ، وذلك إنّ أهل كلّ مذهب استندوا في تقوية ذلك المذهب الى دلائل كثيرة من العقل ، وكانت مقبولة في عقولهم معلومة لهم ، ولم يعارضها سوى دلائل العقل لأهل القول الآخر أو دلائل النقل ، وكلاهما لا يصلح للمعارضة لما قلتم ، لأنّ دليل النقل يجب تأويله ، ودليل العقل لهذا الشخص لا يكون حجّة على غيره ، لأنّ عنده مثله ويجب عليه العمل بذلك ، مع انّ الأصحاب (رضوان الله عليهم) ذهبوا الى تكفير الفلاسفة ومن يحذو حذوهم وتفسيق أكثر طوائف المسلمين ، وما ذاك إلّا لأنّهم لم يقبلوا منهم تلك الدلائل ولم يعدوها من دلائل العقل (١).
أشار هذا المحدث الى العوامل التي أدّت الى حدوث الفكرة الاخبارية وهي كما يلي :
١ ـ متابعة أكثر علماء الشيعة لأهل الرأي والقياس وغيرهم من الذين اعتمدوا على العقول واستدلالاتها.
٢ ـ لازم هذا الاعتماد طرح ما جاءت به الشريعة حيث لم يأت على وفق عقولهم ، وتأويله بما يرجع الى العقل.
٣ ـ انّ مدار علمائنا في البحث كان على الدلائل العقلية ، ويجعلون دليل النقل مؤيدا وعاضدا لدليل العقل. وصرّح المحدّث المحقق الشيخ يوسف البحراني بحجية العقل الفطري الصحيح وحكم بمطابقته للشرع ومطابقة الشرع له ، قال بعد ذكر كلام المحدّث الجزائري :
فان قلت : فعلى ما ذكر من عدم الاعتماد على الدليل العقلي يلزم أن لا يكون
__________________
(١) الأنوار النعمانية ٣ : ١٢٩ ـ ١٣٢.