العقل معتبرا بوجه من الوجوه ، مع انّه قد استفاضت الآيات القرآنية والأخبار المعصومية بالاعتماد على العقل والعمل على ما يرجّحه ، وانّه حجة من حجج الله سبحانه ، كقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(١) في غير موضع من الكتاب العزيز أي يعملون بمقتضى عقولهم (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(٢) (لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ)(٣) ... الى غير ذلك من الآيات الدالة على مدح العمل بمقتضى العقل وذمّ عكسه. وفي الحديث عن أبي الحسن «ع» حين سئل : فما الحجّة على الخلق اليوم؟ قال : فقال «ع» : العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه (٤).
وفي آخر عن الصادق «ع» قال : حجة الله على العباد النبي ، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل (٥).
وفي آخر عن الكاظم «ع» : يا هشام انّ لله على الناس حجّتين : حجة ظاهرة ، وحجة باطنة ، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة ، وأمّا الباطنة فالعقول (٦).
قلت : لا ريب انّ العقل الصحيح الفطري حجة من حجج الله سبحانه ، وسراج منير من جهته جلّ شأنه ، وهو موافق للشرع ، بل هو شرع من داخل كما انّ ذلك شرع من خارج ، لكن ما لم تغيره غلبة الأوهام الفاسدة ، وتتصرّف فيه العصبية أو حبّ الجاه أو نحوهما من الأغراض الكاسدة ، وهو قد يدرك الأشياء قبل ورود الشرع بها فيأتي الشرع مؤيدا له ، وقد لا يدركها قبله ويخفى عليه الوجه فيها فيأتي الشرع كاشفا له ومبيّنا ، وغاية ما تدلّ عليه هذه الأدلة مدح العقل الفطري الصحيح الخالي من شوائب الأوهام العاري عن كدورات العصبية ، وإنّه بهذا المعنى حجة الهية ، لادراكه بصفاء نورانيته وأصل فطرته بعض الأمور التكليفية ، وقبوله لما يجهل منها متى ورد عليه الشرع بها ، وهو أعمّ من أن يكون بادراكه ذلك أولا أو قبوله لها ثانيا كما عرفت.
__________________
(١) سورة الرعد (١٣) : ٥.
(٢) سورة الرعد (١٣) : ٤.
(٣) سورة آل عمران (٣) : ١٨٨.
(٤) الكافي كتاب العقل والجهل ح ٢٠.
(٥) الكافي كتاب العقل والجهل ح ٢٢.
(٦) الكافي كتاب العقل والجهل ح ١٢.