ولا ريب انّ الأحكام الفقهية من عبادات وغيرها كلّها توقيفية تحتاج الى السماع من حافظ الشريعة ، ولهذا قد استفاضت الأخبار ... بالنهي عن القول في الأحكام الشرعية بغير سماع منهم «عليهمالسلام» وعلم صادر عنهم «صلوات الله عليهم» ووجوب التوقّف والاحتياط مع عدم تيسر طريق العلم ووجوب الردّ إليهم في جملة منها ، وما ذاك إلّا لقصور العقل المذكور عن الاطلاع على أغوارها واحجامه عن التلجج في لجج بحارها ، بل لو تمّ للعقل الاستقلال بذلك لبطل ارسال الرسل وانزال الكتب ، ومن ثمّ تواترت الأخبار ناعية على أصحاب القياس بذلك.
(ثمّ ذكر الأخبار الدالة على ذلك) الى أن قال :
الى غير ذلك من الأخبار ـ المتواترة معنى ـ الدالة على كون الشريعة توقيفية لا مدخل للعقل في استنباط شيء من أحكامها بوجه ... إلّا أنّه يبقى الكلام بالنسبة الى ما يتوقّف على التوقيف.
فنقول : إن كان الدليل العقلي المتعلّق بذلك بديهيّا ظاهر البداهة كقولهم : الواحد نصف الاثنين ، فلا ريب في صحة العمل به ، والّا فان لم يعارضه دليل عقلي ولا نقلي فكذلك ، وإن عارضه دليل عقلي آخر ، فان تأيّد أحدهما بنقلي كان الترجيح للمؤيد بالدليل النقلي وإلّا فاشكال ، وإن عارضه دليل نقلي ، فان تأيد ذلك العقلي أيضا بنقلي كان الترجيح للعقلي ، إلّا انّ هذا في الحقيقة تعارض في النقليات ، وإلّا فالترجيح للنقلي ، وفاقا للسيد المحدث المتقدم ذكره (السيد الجزائري) وخلافا للأكثر.
هذا بالنسبة الى العقلي بقول مطلق ، امّا لو أريد به المعنى الأخص وهو الفطري الخالي من شواهب الأوهام الذي هو حجة من حجج الملك العلّام وإن شذّ وجوده بين الأنام ففي ترجيح النقلي عليه اشكال (١) ؛ وقويت هذه الطريقة في القرن الحادي عشر والثاني عشر حتى أوائل الثالث عشر الهجري ، ولكن الطريقة الأصولية تغلّبت عليها بمواقف الوحيد البهبهاني محمد باقر بن محمد أكمل المتوفى سنة (١٢٠٦).
ثمّ تبعه تلميذه المحقق الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي المتوفى سنة (١٢٢٨).
__________________
(١) الحدائق الناضرة ١ : ١٢٩ ـ ١٣٣.