وقولهم : نقيضا المتساويين متساويين ، ومن ثمّ وقع الاختلاف والمشاجرات بين الفلاسفة في الحكمة الإلهية والطبيعية ، وبين علماء الاسلام في أصول الفقه ، ومسائل الفقه ، وعلم الكلام ، وغير ذلك من غير فيصل ، والسبب في ذلك انّ القواعد المنطقية إنّما هي عاصمة من الخطأ من جهة الصورة لا من جهة المادة ، إذ أقصى ما يستفاد من المنطق في باب مواد الأقيسة تقسيم المواد على وجه كلي الى الأقسام ، وليست في المنطق قاعدة بها يعلم انّ كلّ مادة مخصوصة داخلة في أيّ قسم من الأقسام ، ومن المعلوم امتناع وضع قاعدة يكفل بذلك.
ثمّ قال : فان قلت : لا فرق في ذلك بين العقليات والشرعيات ، والشاهد على ذلك ما نشاهد من كثرة الاختلافات الواقعة بين أهل الشرع في أصول الدين وفي الفروع الفقهية.
قلت : إنّما نشأ ذلك من ضمّ مقدمة عقلية باطلة بالمقدمة النقليّة الظنيّة أو القطعية ، ومن الموضحات لما ذكرناه من انّه ليس في المنطق قانون يعصم عن الخطأ في مادة الفكر انّ المشائيين ادعوا البداهة في انّ تفرّق ماء كوز الى كوزين اعدام لشخصه واحداث لشخصين آخرين ، وعلى هذه المقدمة بنوا اثبات الماهية الهيولى ، والاشراقيين ادّعوا البداهة في انّه ليس اعداما للشخص الأول وإنّما انعدمت صفة من صفاته وهو الاتصال.
وأخذ ممّا بناه من انحصار الدليل على السماع من الشرع في غير الضروريات هذه النتيجة : إن تمسكنا بكلامهم «ع» فقد عصمنا من الخطأ ، وإن تمسّكنا بغيرهم فلم نعصم عنه (١).
وللمحدّث الجزائري (قدسسره) كلاما مفيدا ويعطينا صورة موجزة عن الفكرة الأخبارية ، والعوامل التي أدّت الى نشوئها. قال :
إنّ أكثر أصحابنا قد تبعوا جماعة من المخالفين من أهل الرأي والقياس ومن أهل الطبيعة والفلاسفة وغيرهم من الذين اعتمدوا على العقول واستدلالاتها ، وطرحوا
__________________
(١) الرسائل للشيخ الأنصاري في بحث حجية القطع.