ما جاءت به الأنبياء (عليهمالسلام) حيث لم يأت على وفق عقولهم ، حتى نقل انّ عيسى «ع» لمّا دعا أفلاطون الى التصديق بما جاء به أجاب بأنّ عيسى رسول الى ضعفة العقول ، وأمّا أنا وأمثالي فلسنا نحتاج في المعرفة الى ارسال الأنبياء.
والحاصل انّهم ما اعتمدوا في شيء من أنوارهم إلّا على العقل ، فتابعهم بعض أصحابنا وان لم يعترفوا بالمتابعة ، فقالوا : انّه إذا تعارض الدليل العقلي والنقلي طرحنا النقلي أو تأولناه بما يرجع الى العقل. ومن هنا تراهم في مسائل الأصول يذهبون الى أشياء كثيرة قد قامت الدلائل النقلية على خلافها ، ولوجود ما تخيّلوا انّه دليل عقلي ، كقولهم بنفي الاحباط في العمل تعويلا على ما ذكروه في محلّه من مقدمات لا تفيد ظنّا فضلا عن العلم ، وسنذكرها إن شاء الله تعالى في أنوار القيامة ، مع وجود الدلائل من الكتاب والسنة على أنّ الاحباط ـ الذي هو الموازنة بين الأعمال واسقاط المتقابلين وابقاء الرجحان ـ حقّ لا شك فيه ولا ريب يعتريه.
ومثل قولهم : انّ النبي «ص» لم يحصل له الاسهاء من الله تعالى في صلاة قط ، تعويلا على ما قالوه : من أنّه لو جاز السهو عليه في الصلاة لجاز عليه في الأحكام ، مع وجود الدلائل الكثيرة من الأحاديث الصحاح والحسان والموثقات والضعفاء والمجاهيل على حصول مثل هذا الاسهاء ، وعلل في تلك الروايات بأنّه رحمة للأمة ، لئلّا يعير الناس بعضهم بعضا بالسهو ، ...
وأمّا مسائل الفروع فمدارهم على طرح الدلائل النقلية والقول بما أدّت إليه الاستحسانات العقلية ، وإذا عملوا بالدلائل النقلية يذكرون أولا الدلائل العقلية ثمّ يجعلون دليل النقل مؤيدا وعاضدا إيّاها ، فيكون المدار والأصل إنّما هو العقل.
وهذا منظور فيه ، لأنّا نسألهم عن معنى الدليل العقلي الذي جعلوه أصلا في الأصولين والفروع ، فنقول : انّ أردتم ما كان مقبولا عند عامة العقول ، فلا يثبت ولا يبقى لكم دليل عقلي ، وذلك كما تحققت انّ العقول مختلفة في مراتب الادراك وليس لها حدّ تقف عنده ، فمن ثمّ ترى كلّا من اللاحقين يتكلّم على دلائل السابقين وينقضه ويأتي بدلائل أخرى على ما ذهب إليه ، ولذلك لا ترى دليلا واحدا مقبولا عند عامة العقلاء والأفاضل وإن كان المطلوب متّحدا ؛ فانّ جماعة من المحققين قد اعترفوا بأنّه