وقد عرفت أنه لا يجب موافقة الأحكام التزاما ، ولو وجب لكان الالتزام إجمالا بما هو الواقع معه ممكنا ، والالتزام التفصيلي بأحدهما لو لم يكن تشريعا محرما لما نهض على وجوبه دليل قطعا ، وقياسه بتعارض الخبرين ـ الدالّ أحدهما على
______________________________________________________
معقول ، فإن حصول الجامع قهري لا يحتاج إلى التكليف ويكون التكليف به من طلب الحاصل ، وأما التخيير في مقام التزاحم بين التكليفين فهو راجع إلى حكم العقل في مقام الامتثال بعد ثبوت كل من التكليفين بفعلية الموضوع لكل منهما وكون صرف القدرة في موافقة أحدهما موجبا لارتفاع الموضوع للآخر.
ومما ذكرنا يظهر أنه لا بأس بجريان الاستصحاب في ناحية عدم جعل كل من الوجوب والحرمة إذا كانت الشبهة حكمية ، وعدم كون المورد من موضوع الوجوب وموضوع الحرمة فيما إذا كانت الشبهة موضوعية ، ولزوم المخالفة الالتزامية مع عدم لزوم المخالفة العملية القطعية مع عدم إمكان الموافقة كذلك لا محذور فيه ، كما إذا كان الواحد من الوجوب أو الحرمة حالة سابقة يؤخذ بها ويلزم العمل على طبقه ، ولا يبقى للأصل النافي في المحتمل الآخر موضوع أو منافاة مع الاستصحاب الجاري في ناحية المحتمل الآخر.
المقام الثاني : ما إذا كان الفعل دائرا أمره بين الوجوب والحرمة مع كون أحدهما أو كلاهما تعبديا ، كما إذا دار أمر المرأة بين الطهر والحيض وبنى على حرمة الصلاة على الحائض ذاتا ، أو دار الأمر في تغسيل الأجنبي المرأة الميتة مع فقد المماثل والأرحام بين الوجوب والحرمة ، وغير ذلك من الموارد التي لا يمكن فيها الموافقة القطعية للتكليف الواقعي ، إلّا أنه يمكن مخالفته القطعية باختيار الفعل من غير قصد التقرب ، والصحيح في الفرض تنجيز العلم الإجمالي بسقوط الاصول النافية في ناحية كل من الوجوب والحرمة حيث لا ينحصر تنجيز التكليف الواقعي