ومنه ظهر أنه لا مجال لتوهم أن قضية تنجز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه أيضا ، ضرورة أن العلم به إنما يوجب تنجز الاجتناب عنه ، لا تنجز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه وإن احتمل.
وأخرى يجب الاجتناب عما لاقاه دونه ، فيما لو علم إجمالا نجاسته أو نجاسة شيء آخر ثم حدث (العلم ب) الملاقاة والعلم بنجاسة الملاقى أو ذاك
______________________________________________________
الأمر لا يكون التكليف في أحد طرفيه على تقديره تكليفا فعليا منجزا بهذا العلم الإجمالي الثاني.
وأما المثال الثاني : فهو ما إذا علم بملاقاة شيء كالثوب لمائع ثم علم بنجاسة ذلك المائع أو شيء آخر ، ولكن كان المائع الملاقى (بالفتح) خارجا عن الابتلاء حين حصول العلم الإجمالي بالنجاسة وصار داخلا في الابتلاء بعد ذلك ، فإنه عند حصول العلم الإجمالي بالنجاسة تسقط أصالة الطهارة في كل من الملاقي (بالكسر) أو الشيء الآخر بالمعارضة ، وبعد دخول الملاقى (بالفتح) في الابتلاء تجري فيه أصالة الطهارة بلا معارض ، ولكن لا يخفى ما فيه فإن جريان أصالة الطهارة في الملاقى بالفتح عند العلم بنجاسته أو نجاسة شيء آخر لا يتوقف على بقائه حين حصول العلم أو دخوله في محل الابتلاء بنفسه ، فإن لطهارته ولو مع فقده قبل أن يخرج عن محل الابتلاء أثرا شرعيا وهو طهارة ملاقيه فعلا ، فالعلم الإجمالي بنجاسته أو الشيء الآخر يوجب سقوط أصالة الطهارة في كل منه وما لاقاه ، والطرف الآخر ، فيدخل هذا في القسم الثالث الذي أشار إليه بقوله : «وثالثة : يجب الاجتناب عنهما فيما لو حصل العلم الاجمالي بعد العلم الملاقاة ، ضرورة أنه حينئذ نعلم إجمالا إما بنجاسة الملاقي والملاقى أو بنجاسة الآخر كما لا يخفى ، فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين وهو الواحد أو الاثنان».