برأس نفسه ولحية نفسه على العادة المتعاطاة للناس إذا اغتمّ أحدهم ، أو أصابته مصيبة عظيمة وضع يده على رأسه ، وإذا دهته داهية عظيمة قبض على لحيته ، فكأنّه (١) أراد بما فعل أنّه ليعلم هارون أنّه وجب عليه الاغتمام والجزع بما أتاه قومه ، ووجب أن يكون في مصيبة بما تعاطوه؛ لأنّ الاُمّة من النبيّ والحجّة بمنزلة الأغنام من راعيها ، ومن أحقّ بالاغتمام بتفريق الأغنام وهلاكها من راعيها ، وقد وكّل بحفظها ، واستعبد باصلاحها ، وقد وعدالثواب على ما يأتيه من إرشادها وحسن رعيّتها (٢) ، وأوعد العقاب على ضدّ ذلك من تضييعها ، وهكذا فعل الحسين بن عليّ عليهماالسلام لمّا ذكّر القوم المحاربين له بحرماته فلم يرعوها ، قبض على لحيته وتكلّم بما تكلّم به ، وفي العادة أيضاً أن يخاطب الأقرب ويعاتب على ما ( يأتيه العيد ليكون ذلك أزجر للبعيد عن إتيان ما ) (٣) يوجب العتاب ، وقد قال الله عزوجل لخير خلقهوأقربهم منه صلىاللهعليهوآله : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (٤) ، وقد علم عزوجل أنّ نبيّه صلىاللهعليهوآله لا يشرك به أبداً ، وإنّماخاطبه بذلك وأراد به اُمّته ، وهكذا موسى عاتب أخاه هارون وأراد بذلك اُمّته اقتداءً بالله تعالى ذكره واستعمالاً لعادات الصالحين قبله وفي وقته.
ـ ٥٩ ـ
باب العلّة التي من أجلها حرم الصيد
__________________
(١) في النسخ : فلأنّه ، وفي حاشية «ج ، ل ، ش» : فكأنّه.
(٢) في «س ، ج ، ع ، ل ، ح» : رغبتها.
(٣) ما بين القوسين لم يرد في «ح».
(٤) سورة الزمر ٣٩ : ٦٥.