ماتمّ سروري يوم إلى الليل ، وقد أحببت أن أدخل قصري في غد ، فأصعد أعلاه وأنظر إلى ممالكي فلا تأذنوا لأحد عليَّ؛ لئلاّ يرد عليَّ (١) ما ينغّص (٢) عليَّ يومي.
فقالوا : نعم. فلمّا كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع من قصره ، ووقف متّكئاً على عصاه ينظر إلى ممالكه مسروراً بما اُوتي فرحاً بما اُعطي ، إذ نظر إلى شابّ حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زواياقصره ، فلمّا بصر به (٣) ، قال له : من أدخلك إلى هذا القصر وقد أردت أن أخلو فيه اليوم ، وبإذن من دخلت؟
قال الشابّ : أدخلني هذا القصر ربّه ، وبإذنه دخلت.
فقال : ربّه أحقّ به منّي ، فمن أنت؟
قال : أنا ملك الموت. قال : وفيما جئت؟
قال : جئت لأقبض روحك. قال : امض لما أمرت به ، فهذا يوم سروري ، وأبى الله عزّوجل أن يكون لي سرور دون لقائه.
فقبض ملك الموت روحه وهو متّكئ على عصاه ، فبقي سليمان متّكئاًعلى عصاه وهو ميّت ما شاء الله والنّاس ينظرون إليه ، وهُم يقدّرون أنّه حيّ ، فافتتنوا فيه واختلفوا ، فمنهم من قال : إنّ سليمان قد بقي متّكئاً على عصاه هذه الأيّام الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ولم يأكل ولم يشرب ، إنّه
__________________
(١) في حاشية «ج» : يرد عليَّ ليلاً.
(٢) ورد في حاشية «ج» : نغَّص الله عليه عيشته تنغيصاً ، أي كدّره ، وتنغصّت عيشته ، أي تكدّرت ، ونَغِص الرجل بالكسر ينغص : إذا لم يتمّ مرادُه. الصحاح ٣ : ٢٦٧ / نغص.
(٣) في المطبوع : أبصره سليمان ، وفي «ح ، ع» والعيون : أبصر به ، وما أثبتناه من «س ، ح ، ل ، ش ، ن» ، والبحار.