لِما هو مكوّنه في السماوات والأرض وعلمه لِما أراد من ذلك كلّه كشط (١) عن أطباق السماوات ، ثمّ قال للملائكة : انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجنَّ والنَّسْناس .
فلمّا رأوا ما يعملون (٢) فيها من المعاصي ، وسفك الدماء ، والفساد في الأرض بغير الحقّ ، عظم ذلك عليهم وغضبوا لله وأسفوا (٣) على أهل الأرض ، ولم يملكوا غضبهم أن قالوا : يا ربِّ ، أنت العزيز ، القادر الجبّار ، القاهر العظيم الشأن ، وهذا خلقك الضعيف الذليل في أرضك ، يتقلّب في قبضتك ، ويعيشون برزقك ، ويستمتعون بعافيتك ، وهُم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام ، لا تأسف ولا تغضب ، ولا تنتقم لنفسك لِما تسمع منهم وترى ، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك.
فلمّا سمع الله عزوجل ذلك من الملائكة قال : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) (٤) لي عليهم ، فيكون حجّة لي عليهم في أرضي على خلقي ، فقالت الملائكة : سبحانك ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) وقالوا : فاجعله منّا؛ فإنّا لانفسد في الأرض ولا نسفك الدماء ، قال جلّ جلاله : يا ملائكتي ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (٥) إنّي أُريد أن أخلق خلقاً بيدي ، أجعل ذرّيّته أنبياء مرسلين ، وعباداً صالحين ، وأئمّة مهتدين ، أجعلهم خلفائي على خلقي في
__________________
(١) ورد في حاشية «ج» : كشطت الجُلُّ عن ظهر الفرس ، والغطاء عن الشيء ، إذا كشفته عنه.الصحاح ٣ : ٤٠٢.
(٢) في «ح» : يفعلون.
(٣) ورد في حاشية «ج» : أسف غضب وزناً ومعنى ، ويعدّى بالهمزة ، ويقال : آسفته. المصباح المنير : ١٣.
(٤و٥) سورة البقرة ٢ : ٣٠.