واختياراً ، أو علا به قهراً واضطراراً ، وما سفل شيء طبعاً واختياراً ، أوسفل به قهراً واضطراراً ، فإذا هي ثلاثة أشياء بالإجماع : حيوان نام ، وجماد ، وأفلاك سائرة ، وبالطبع الذي طبعها عليه صانعها دائرة ، وفيما دونهاعن إرادة خالقها مؤثّرة ، وإنّهم نظروا في الأنواع الثلاثة وفي الأشياء التي هي أجناس ، منقسمة إلى جنس الأجناس الذي هو شيء؛ إذ يعطي كلّ شيء اسمه.
قالوا : ونظرنا أيّ الثلاثة هو نوع لِما فوقه وجنس لِما تحته أنفع وأرفع؟وأيّها أدون وأوضع؟
فوجدنا أرفع الثلاثة الحيوان؛ وذلك بحقّ الحياة التي بانَ بها النامي والجماد ، وإنّما رفعة الحيوان عندنا في حكمة الصانع وترتيبها أنّ الله تقدّست أسماؤه جعل النامي له غذاء ، وجعل له عند كلّ داء دواء ، وفيما قدّرله صحّة وشفاء ، فسبحانه ما أحسن ما دبّره في ترتيب حكمته؛ إذ الحيوان الرفيع فما دونه يغذو (١) ، ومنه لوقاية الحرّ والبرد يكسو ، وعليه أيّام حياته ينشو ، وجعل الجماد له مركزاً ومكدياً (٢) ، فامتهنه له امتهاناً ، وجعل له مسرحاً (٣) وأكناناً (٤) ، ومجامع وبلداناً ، ومصانع (٥) وأوطاناً ، وجعل له حَزَناً محتاجاً إليه ، وسهلاً محتاجاً إليه ، وعلوّاً ينتفع بعلوّه ،
__________________
(١) في «ع ، ح ، ش» : يغدو.
(٢) الكُدْية : الأرض المرتفعة ، وقيل : هو شيء صلب من الحجارة والطين ، الكَدي : أراد المقابر. لسان العرب ١٥ : ٢١٦.
(٣) المسرح : مرعى السرح ، ولا يسمّى سرحاً إلاّ بعد ما يُغدى به ويراح. تهذيب اللغة ٤ : ٢٩٧ سرح.
(٤) الأكنة : الأغطية. الصحاح ٦ : ٢١٨٨.
(٥) المصانع : المباني من القصور وغيرها. النهاية في غريب الحديث ٣ : ٥٦.