الإستخلاف في غزوة بدر ... وفي كلّ مرةٍ يكون بالمدينة أفضل ممن بقي في غزوة تبوك. فكان كل استخلاف قبل هذه يكون على أفضل ممن استخلف عليه علياً.
فلهذا خرج إليه علي رضياللهعنه يبكي ويقول : أتخلّفني مع النساء والصبيان؟
وقيل : إن بعض المنافقين طعن فيه وقال : إنما خلّفه لأنّه يبغضه. فبيّن له النبي صلّى الله عليه وسلّم إني إنّما استخلفتك لأمانتك عندي ، وأن ليس بنقص ولا غض ، فإنّ موسى استخلف هارون على قومه ، فكيف يكون نقصاً وموسى ليفعله بهارون؟ فطيّب بذلك قلب علي ، وبيّن أن جنس الإستخلاف يقتضي كرامة المستخلف وأمانته ، لا يقتضي إهانته ولا تخوينه ، وذلك لأن المستخلف يغيب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وقد خرج معه جميع الصحابة.
والملوك وغيرهم إذا خرجوا في مغازيهم أخذوا معهم من يعظم انتفاعهم به ومعاونته لهم ، ويحتاجون إلى مشاورته والإنتفاع برأيه ولسانه ويده وسيفه ، والمتخلف إذا لم يكن في المدينة سياسة كثيرة لا يحتاج إلى هذا كله ، فظنّ من ظنّ أن هذا غضاضة من علي ونقص منه وخفض من منزلته ، حيث لم يأخذه معه في المواضع المهمة التي تحتاج إلى سعي واجتهاد ، بل تركه في المواضع التي لا يحتاج إلى كثير سعي واجتهاد ، فكان قول النبي صلّى الله عليه وسلّم مبييناً أن جنس الاستخلاف ليس نقصاً ولا غضّاً ، إذ لو كان نقصاً أو غضّاً لما فعله موسى بهارون.
ولم يكن هنا الإستخلاف كاستخلاف هارون ، لأن العسكر كان مع هارون ، وإنما ذهب موسى وحده. وأمّا استخلاف النبي صلّى الله عليه وسلّم فجميع العسكر كان معه ، ولم يخلف بالمدينة غير النساء والصبيان إلاّ معذور أو عاص.