وقول القائل : هذا بمنزلة هذا ، وهذا مثل هذا ، هو كتشبيه الشيء بالشيء ، وتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دلّ عليه السياق لا يقتضي المساواة في كل شيء.
ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث الأسارى لمّا استشار أبا بكر فأشار بالفداء ، واستشار عمر فأشار بالقتل ، قال : سأخبركم عن صاحبيكم ، مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم ... ومثلك يا عمر مثل نوح ...
فقوله لهذا : مثلك مثل إبراهيم وعيسى ، ولهذا : مثل نوح وموسى. أعظم من قوله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى. فإنّ نوحاً وموسى وإبراهيم وعيسى أعظم من هارون. وقد جعل هذين مثلهم ، ولم يرد أنهما مثلهم في كلّ شيء ، لكن فيما دلَّ عليه السياق من الشدة في الله واللين في الله.
وكذلك هنا : إنما هو بمنزلة هارون فيما دل عليه السياق ، وهو استخلافه في مغيبه ، كما استخلف موسى هارون.
وهذا الإستخلاف ليس من خصائص علي ، بل ولا هو مثل استخلافاته ، فضلاً عن أن يكون أفضل منها. وقد استخلف من علي أفضل منه في كثير من الغزوات ، ولم تكن تلك الاستخلافات توجب تقديم المستخلف على علي ... ، بل قد استخلف على المدينة غير واحد ، وأولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخلاف علي.
بل كان ذلك الإستخلاف يكون على أكثر وأفضل ممن استخلف عليه عام تبوك ، وكانت الحاجة إلى الإستخلاف أكثر ، وأنه كان يخاف من الأعداء على المدينة ، فأما عام تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب بالحجاز ، وفتحت مكة ، وظهر الإسلام وعز ، ولهذا أمر الله نبيهُ أن يغزو أهل الكتاب بالشام ، ولم تكن المدينة