الهدى أيْ الهداية إنما تكون للضالّ لا للمهتدي. ووجه حسنه قصد المجاز المستفيض نوعه ، وهو وصف الشيء بما يؤول إليه ، والتوصّل به إلى تصدير أولى الزهراوين بذكر أولياء الله. وقوله : ( فَغَشِيَهُمْ ) ( مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ ) أظهر من أن يخفى حاله في الوجازة ، نظراً إلى ما ناب عنه. وكذا قوله : ( وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ).
وانظر إلى الفاء التي تسمى فاء فصيحة في قوله : ( فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ ) « فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ » كيف أفادت : فامتثلتم فتاب عليكم. وفي قوله : ( فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ ) مفيدة : فضرب فانفجرت. وتأمّل قوله : ( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى ) أليس يفيد فضربوه فحيي فقلنا كذلك يحيى الله الموتى!
وقدّر صاحب الكشّاف رحمهالله قوله : ( وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ ) نظراً إلى الواو في « وقالا » : ولقد آتينا داود وسليمان علماً فعملا به وعلّماه وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة وقالا الحمد لله. ويحتمل عندي : أنه أخبر تعالى عمّا صنع بهما وأخبر عمّا قالا ، كأنه قال : نحن فعلنا إيتاء العلم وهما فعلا الحمد ، تفويضاً استفادة ترتب الحمد على إيتاء العلم إلى فهم السامع ، مثله في قم يدعوك بدل قم فإنه يدعوك. وإنه فن من البلاغة لطيف المسلك.
ومن أمثلة الإختصار : قوله : ( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) (١) بطيّ أبحت لكم الغنائم لدلالة فاء التسبيب في « فكلوا ». وقوله : ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ ) (٢) بطيّ إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم أنتم فعدّوا عن الإفتخار لدلالة الفاء في فلم. وكذا قوله : ( فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ ) (٣) إذ المعنى : إذا كان ذلك فما هي إلاّزجرة واحدة. وكذا قوله : ( فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ ) تقديره : إنْ