ولما انتهيا إلى دمشق حجبهما ثلاثة أيام ، ولم يسمح لهما بمقابلته استهانة بهما ، وفي اليوم الرابع أذن لهما في مقابلته ، وكان مجلسه مكتظا بالأمويين وسائر حاشيته ، وقد نصب ندماؤه برحاصا وأشياخ بني أمية يرمونه ، يقول الامام الصادق (ع) : فلما دخلنا ، كان أبي أمامي وأنا خلفه فنادى هشام :
« يا محمد ارم مع أشياخ قومك .. ».
فقال أبي : « قد كبرت عن الرمي ، فان رأيت أن تعفيني .. ». فصاح هشام : « وحق من أعزنا بدينه ، ونبيه محمد (ص) لا أعفيك .. » وظن الطاغية أن الامام سوف يخفق في رمايته فيتخذ ذلك وسيلة للحط من شأنه أمام الغوغاء من أهل الشام ، وأومأ إلى شيخ من بني أمية أن يناول الامام (ع) قوسه ، فناوله ، وتناول معه سهما فوضعه في كبد القوس ، ورمى به الغرض فأصاب وسطه ، ثم تناول سهما فرمى به فشق السهم الأول الى نصله ، وتابع الامام الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض ، ولم يحصل بعض ذلك إلى أعظم رام في العالم ، وجعل هشام ، يضطرب من الغيظ وورم أنفه ، فلم يتمالك أن صاح :
« يا أبا جعفر أنت أرمى العرب والعجم!! وزعمت أنك قد كبرت!! » ثم أدركته الندامة على تقريظه للامام ، فأطرق برأسه إلى الأرض والامام واقف ، ولما طال وقوفه غضب (ع) وبان ذلك على سحنات وجهه الشريف وكان إذا غضب نظر إلى السماء ، ولما بصر هشام غضب الامام قام إليه واعتنقه ، وأجلسه عن يمينه ، وأقبل عليه بوجهه قائلا :
« يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ، ما دام فيها مثلك لله درك!! من علمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلمته؟ أيرمي جعفر