في معركة الجمل وصفين واعتزل الحرب الأحنف بن قيس فقال لقومه : « اعتزلوا الفتنة اصلح لكم » (١) فالاعتزال كفكرة سياسية ظهرت في ذلك الوقت ، أما أنها كمدرسة كلامية فقد ظهرت في أواخر القرن الأول الهجري.
إن الاعتزال بما يحمل من نزعات دينية ، ومناهج كلامية قد كان مساندا للحكم القائم في تلك العصور ، وقد عمل زعماؤه وأقطابه على مساندة السلطة وتبرير تصرفاتها السياسية ، فبالرغم مما كان يتظاهر به قادة الاعتزال من التقشف والزهد ، والنسك والعبادة فانهم كانوا من أجهزة الحكم القائم في تلك العصور ، أما ما يدعم ذلك فاقرارهم لامامة المفضول وجواز تقديمه على الفاضل ، وقد اتخذوا ذلك للقول بمشروعية خلافة الأمويين وغيرهم ممن تسلموا قيادة الحكم مع وجود من هو أعلم منهم بشئون الدين وأحكام الشريعة ، وقد نالوا بذلك التأييد المطلق من الأمويين واحترامهم وبعد انقلاب الحكم الأموي انضموا إلى الحكم العباسي فكانوا من أجهزته وأدواته ، وقد كان المنصور الدوانيقي على ما فيه من جفوة وقسوة ومعاداة للعلم والعلماء كان يكبر عمرو بن عبيد الزعيم الروحي للمعتزلة ، كما أن أحمد بن أبي دؤاد الزعيم الآخر للمعتزلة قد حظي بالاحترام والتبجيل من قبل ملوك بني العباس ، فقد قال فيه المعتصم : « هذا والله الذي يتزين بمثله ، ويبتهج بقربه ، ويعدل الوفا
__________________
(١) فرق الشيعة ( ص ٥ ).