فسروه بتنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين ، فهو ليس جسما ، ولا عرضا ولا جوهرا ، ولا يحويه زمان ولا مكان ، وردوا كل ما يتعارض مع وحدانية الله تعالى وأزليته فأنكروا أن يكون لله صفات غير ذاته (١) فقد قالوا : إن وجود صفات قديمة خارجة عن الذات يؤدي إلى أن يكون هناك شيء قديم أزلي غير ذاته وهذا يقتضي التعدد ، وهو مستحيل بالنسبة إليه تعالى (٢) وأولو الآيات التي تدل بظاهرها على التجسيم ، مثل قوله تعالى : ( يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) وقد بسطوا القول في هذه الجهة ، واستدلوا عليها بأروع الأدلة وأوثقها.
وهذا هو الأصل الثاني من الأصول الأساسية لمذهبهم وهو العدل الالهي فليس الله بظلام للعبيد ، ولا بجائر عليهم ، وقد تشعب بحثهم في عدل الله تعالى إلى عدة بحوث كلامية ، منها نفي القدر ، واثبات حرية الانسان وارادته واختياره ، وان الانسان هو الذي يوجد أفعاله بمقتضى حريته واختياره وذلك نتيجة لعدالة الله وتنزهه عن الظلم ، فان الله تعالى لا يعاقب إنسانا على عمل أجبره عليه ووجهه إليه لأن من أعان فاعلا على فعله ثم عاقبه عليه كان جائرا وظالما له ، والظلم منفي عنه تعالى ( وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) وقوله تعالى : ( فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ ).
فالثواب والعقاب تابعان للعمل ، وليسا خاضعين إلى شيء آخر ، وقد
__________________
(١) الملل والنحل ١ / ٥٨.
(٢) الملل والنحل ١ / ٥٨.