بحثوا في قضية عدل الله عن الحسن والقبح العقليين ، فانهم لما آمنوا بعدالة الله ، وانه تعالى لا يفعل إلا ما فيه الخير العام لعباده ، فقد دعاهم ذلك إلى النظر في الأعمال فهل هي حسنة لذاتها ، أم أنها تكتسب حسنها وقبحها بتوجيه من الشرع المقدس؟ وقد ذهبوا إلى أن الحسن والقبح في الأشياء ذاتيان ، وان الشرع لا يحسن الشيء بأمره ، وإنما يأمر به لحسنه ، وكذلك لا يقبح الشيء بنهيه ، وإنما ينهى عنه لقبحه وقد مجدوا بذلك العقل ، وفتحوا الطريق أمام نضجه وارتقائه ـ كما يقول بعض الباحثين (١).
هذا هو الأصل الثالث من أصولهم العقائدية ، ويراد به أن الله صادق في وعده ووعيده في يوم القيامة ، لا مبدل لكلماته ، وإن أهل الجنة يزفون إلى الجنة بأعمالهم ، وأهل النار يساقون إلى النار بأعمالهم ، ورتبوا على ذلك إنكار الشفاعة لأي أحد يوم القيامة (٢) وتجاهلوا الآيات والأخبار الواردة في ثبوتها.
ويراد بهذا الأصل أن مرتكب الكبيرة لا مؤمن ، ولا كافر بل هو
__________________
(١) الفرق الاسلامية في الشعر الأموي ( ص ٣١٢ ).
(٢) المعتزلة ( ص ٥١ ـ ٥٢ ).