الا ان هذا الكلام غير تام حتى إذا قبلنا كبرى انقلاب النسبة ـ ولا نقبلها ـ أو قلنا بان المخصص كالمتصل ، لأن اخبار الاحتياط أيضا أخص من اخبار البراءة من ناحية عدم شمولها للشبهة الموضوعية الخارجة عنها قطعا تخصيصا أو تخصصا كما في مثل مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في مورد تعارض الخبرين وهو مخصوص بالشبهة الحكمية.
بل يمكن تقريب الجمع بين اخبار البراءة والاحتياط بنحو فني يكون بصالح القول بالاحتياط. وحاصله : ان اخبار الاحتياط على قسمين : قسم عام يدل على الاحتياط في مطلق الشبهة كقوله ( أخوك دينك فاحتط لدينك ). وقسم يختص بخصوص الشبهة الحكمية كالمقبولة.
واما اخبار البراءة فأحسنها في مقام الاستدلال حديث الرفع (١) ، وهو اما ان نفرض اختصاصه بالشبهة البدوية بعد الفحص بمخصص كالمتصل ، أو يفترض عمومه لكل الشبهات غاية الأمر خرج مورد العلم الإجمالي والشبهة قبل الفحص بمخصص منفصل. فعلى الأول يكون حديث الرفع معارضا مع القسم الثاني من اخبار الاحتياط بالعموم من وجه وبعد التساقط يرجع في الشبهة الحكمية بعد الفحص إلى العام الفوقاني وهو القسم الأول من اخبار الاحتياط ، وعلى الثاني يكون حديث الرفع معارضا مع القسم الأول من اخبار الاحتياط وبعد التساقط يرجع إلى القسم الثاني لكونه أخص منه فيكون بمثابة المرجع بعد تساقط المتعارضين هذا على القول بإنكار كبرى انقلاب النسبة ، واما على القول بها فالمسألة أوضح إذ يكون القسم الثاني من اخبار الاحتياط أخص مطلقا من حديث الرفع حينئذ فيخصصه بالشبهة الموضوعية فيكون كسائر أدلة عدم وجوب الاحتياط في الشبهة الموضوعية مخصصة للقسم الأول من اخبار الاحتياط بعد انقلاب النسبة ، كما ان اخبار الاحتياط بعد تخصيصها بإخراج الشبهة الموضوعية منها تكون أخص من وجه من حديث الرفع الّذي خرج منه الشبهة قبل الفحص أو
__________________
(١) أنقى الروايات سندا ودلالة على البراءة كان هو حديث الحجب ( ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم ) وهذا ظاهر في الاختصاص بالشبهة الحكمية أو على الأقل لا يمكن تخصيصه بالشبهات الموضوعية بالخصوص فيكون بمثابة القسم الثاني من اخبار الاحتياط فيتعارضان ، كما يتعارض القسم الأول مع مثل حديث الرفع فلا يتم الوجه النفي لمدعى الاخباري ، بل بناء على ان خروج الشبهة قبل الفحص أو المقرونة بالعلم الإجمالي بالتخصيص المتصل يكون مثل حديث الحجب بحكم الأخص من كلا قسمي اخبار الاحتياط.