الوجه الثاني ـ العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر والّذي لم ينحل بلحاظ عالم الوجوب والجعل ، فلا تجري البراءة العقلية ، واما البراءة الشرعية فقد أجراها المحقق الخراسانيّ عن الجزئية المشكوكة وبلحاظها يكون الانحلال حقيقيا ، وهذا ما سوف نتحدث عنه في الأمر القادم.
واما المحقق النائيني ( قده ) فقد أجراها عن التقييد في مرحلة الظاهر وأثبت به الإطلاق ظاهرا فبضم أدلة البراءة إلى أدلة الاجزاء والشرائط يثبت الإطلاق في مرحلة الظاهر ، فيكون هذا وجها للتفصيل بين البراءتين.
والسيد الأستاذ وافق أصل الاستدلال ولكن خالفت فيه مخالفة مبنائية بدعوى : ان جريان البراءة عن تقييد الأقل بانضمام الاجزاء المشكوك فيها لا يثبت تعلق التكليف بالأقل على نحو الإطلاق الا على القول بالأصل المثبت ، لأن التقابل بين الإطلاق والتقييد بحسب مقام الثبوت تقابل التضاد لأن الإطلاق عبارة عن لحاظ عدم القيد والسريان ومعه لا يمكن إثبات الإطلاق بنفي التقييد الا بناء على الأصل المثبت وإمكان إثبات أحد الضدين ينفي الآخر (١).
والصحيح : ان أصل هذا المنهج للاستدلال غير تام ، وتفصيل ذلك : ان النافي للقيد تارة يكون أمارة فيثبت بها لا محالة الإطلاق وان الواجب الواقعي هو الأقل وهذا خارج عن محل الكلام ، وأخرى يفرض انه أصل عملي يثبت الواقع وينقحه كما في مثل استصحاب عدم وجود القيد في عالم الجعل وحينئذ يتجه التفصيل بين ما إذا كان الإطلاق عبارة عن عدم القيد أو لحاظ عدمه ، فعلى الأول يثبت ظاهرا بالاستصحاب (٢) ، وعلى الثاني لا يثبت لكونه ملازمة عقلية. وثالثة يكون النافي للقيد أصل عملي ناظر إلى مرحلة إيجاب الاحتياط والجري العملي لا مرحلة الواقع كما في أصالة البراءة المبحوث عنها في المقام فان مدلولها نفي إيجاب الاحتياط ، ومن الواضح ان هذا المدلول لا يمكن ان يثبت الإطلاق سواء كان عبارة عن عدم التقييد أو لحاظ عدم التقييد والسريان لأنه غير ناظر إلى الواقع أصلا ، فان الموصول في قوله ( رفع ما
__________________
(١) مصباح الأصول ، ج ٢ ، ص ٤٤٠.
(٢) هذا انما ينسجم إذا لاحظنا الوجوب بمعنى ما يدخل في العهدة والّذي يكون الانحلال فيه حقيقيا عندئذ فتجري البراءة العقلية أيضا ولا ينسجم مع مبنى عدم الانحلال الحقيقي الّذي يلاحظ الوجوب بحسب عالم التكوين.