الثاني ـ ان يكون المولى قد علم بمقتضى علمه بالغيب ان كل ما سيجعله العقلاء خارجا سوف يكون على طبق ما يريده هو أيضا ، وهذا أيضا خلاف ظاهر الخطابات ومقطوع البطلان.
ثم انه لا ينبغي ان يعتبر هذا الكلام تحديدا مطلقا لمفاد القاعدة وأمثالها من الخطابات الشرعية وإلغاء لها أو تخصيصها بالافراد الارتكازية التي يحرز وجودها في عصر الشارع فقط فلا يمكن تعميمها للمصاديق العرفية في أزمنتنا للضرر ، فان هناك نكتتين أخريين توجبان التوسعة بمقدار ما :
إحداهما ـ إذا فرض ان فردا من افراد الضرر في عرفنا المعاصر لم يكن موجودا في عصر الشارع بشخصه ولكنه كان ثابتا بنكتته ، أي ان ذلك الحق المشروع في عرفنا المعاصر كان نظيره أو كبراه مركوزا في عصر التشريع أيضا ولم يردع عنه الشارع بل أمضاه كفى ذلك في شمول القاعدة له ، فالعبرة بسعة النكتة العقلائية الممضاة في عصر التشريع لا بالحدود الواقعة خارجا من مصاديق تلك النكتة كما أشرنا إلى ذلك في بعض البحوث السابقة.
الثانية ـ انه عند الشك في ثبوت هذا الحق في زمن التشريع ، أو دخوله تحت نكتة ممضاة من قبله لا نحتاج إلى إثبات ذلك بالشواهد التاريخية القطعية الأمر الّذي يتعسر غالبا أو يتعذر ، بل يمكن إثبات ذلك بطريق آخر تعبدي وهو إجراء أصالة الثبات في الظهور لما ذكرنا من ان هذه الافراد العنائية توجب ظهورا وتوسعة في مدلول الخطاب لفظا أو مقاما بحيث يشمل الخطاب هذه الافراد فإذا شك في إمضاء الشارع لها رجع إلى الشك في تحديد ظهور الخطاب وان ما نفهمه اليوم من إطلاقه هل كان ثابتا له في عصر التشريع أيضا أم لا فيكون من موارد التمسك بأصالة الثبات وعدم النقل في الظهور (١).
__________________
(١) تارة يشك في ان معنى اللفظ هل هو الجامع الأعم أو الحصة الخاصة منه ، وأخرى يحرز المعنى وانه عبارة عن النقص مثلا على كل حال وانما يشك في شموله للنقص في حق من جهة الشك في إمضاء الشارع لذلك الحق ، ففي الحالة الأولى تجري أصالة الثبات إذا أحرز ان معنى اللفظ اليوم هو الجامع لا الحصة فيثبت الإطلاق في طول ذلك ، واما في الحالة الثانية فلا تجري أصالة الثبات إذ لا شك في ما هو المدلول اللغوي للفظ وانما الشك في امر محقق لمصداق من مصاديق اللفظ وهذا ليس تغييرا في ما هو مدلول اللفظ بحسب الحقيقة لكي تجري أصالة الثبات فيه.