الشك ، بل معناها اللغوي المثل والمماثلة وباعتبار تماثل الطرفين في مورد الشك سمي بالشبهة ، ومن يتتبع موارد استعمال كلمة الشبهة في الروايات يستنتج انها كانت تستعمل بالمعنى اللغوي أي التشابه والتماثل في مورد يراد فيه بيان ان هذا المطلب بظاهره يشبه الحق ولكنه في باطنه ضلال وانحراف. وقد ورد في خطبة للإمام عليهالسلام ( وانما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق ، فاما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين ، ودليلهم سمت الهدى ، واما أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال ، ودليلهم العمى ) (١).
وفي بعض الروايات ان الشبهة من الشيطان لأن الخديعة والمكر منه ، وفي رواية عن الباقر عليهالسلام انه قال قال جدي رسول الله ( أيها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة وحرامي حرام إلى يوم القيامة الا وقد بينهما الله عز وجل في الكتاب وبينتهما في سنتي وفي سيرتي وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي فمن تركها صلح له امر دينه وصلحت له مروءته وعرضه ) فساق البدع والشبهات مساقا واحدا مما يعني إرادة ذلك المعنى من الشبهة لا مجرد الشك وعدم العلم ، ومما يؤيد هذا المعنى رواية أخرى عنه عليهالسلام انه قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأبي ذر ( يا أبا ذر ان المتقين الذين يتقون الله من الشيء الّذي لا يتقى منه خوفا من الدخول في الشبهة ) (٢) أي يكون بابا للدخول في بدعة من الدين ونحو ذلك.
فمجموع هذه القرائن توجب الاطمئنان بان المراد بالشبهة في الطائفة الأولى ، بل في أكثر كلمات الأئمة عليهمالسلام معنى آخر غير المعنى الأصولي لكلمة الشبهة أي المراد بها الضلالة والخديعة والبدعة التي تلبس ثوب الحق ومن الواضح ان لزوم التريث والوقوف عند الشبهة بهذا المعنى مما لا إشكال فيه ولكنه أجنبي عن محل الكلام.
وثالثا ـ ان ظاهر هذه الطائفة التحذير من الدخول في الشبهة بلحاظ المحتمل لا الاحتمال فهي لا تدل على منجزية الاحتمال وجعل إيجاب الاحتياط شرعا الّذي هو مدعى الاخباري بل تدل على انه إذا كان في المحتمل خطر وهلكة فقف عندها ولا تلج الباب لكي لا تسقط فيها ، وهذا انما يكون في الموارد التي تكون الشبهة فيها في أمور
__________________
(١) نهج البلاغة ، ص ٨١.
(٢) جامع أحاديث الشيعة ، الباب الثامن من أبواب المقدمات ، ح ٣٧.