عليهم » تبنّوا هذه النظرية وأن منشأ هذه العلاقة بين اللفظ والمعنى هو اعتبار الواضع إلا أنهم اختلفوا في كيفيّة الاعتبار الذي أنشأ العلاقة ، فهل هو اعتبار السببيّة أو اعتبار الآلية أو أنه اعتبار اللفظ علامة على المعنى.
ولتوضيح هذه المسالك الثلاثة لا بدّ من إفراد كل واحد منها ببيان.
المسلك الأول :
والذي هو مسلك السببيّة وهو عبارة عن أنّ الواضع يعتبر اللفظ سببا في تصوّر المعنى ، فكأنّ اللفظ علّة لانخطار المعنى في الذهن والمعنى المتصوّر عن اللفظ معلول لها ، غايته أنها عليّة ومعلوليّة اعتباريّة.
ويمكن إيضاح ذلك ببعض الاعتبارات الشرعيّة مثل أن يقول المولى : ( إذا قالت المرأة للرجل زوّجتك نفسي ، وقال الرجل للمرأة قبلت الزواج ) فإنّ المرأة بهذا الكلام تصبح زوجة والرجل يصبح زوجا لها ، فكأنّما المولى اعتبر هذه الألفاظ سببا لتحقّق الزوجيّة ، فكذلك المقام فإنّ الواضع إذا اعتبر اللفظ سببا في تصوّر المعنى فإن ذلك يقتضي تصوّر المعنى عند إطلاق اللفظ إذ أنّ تصوّر المعنى يصبح مسبّبا عن اللفظ.
المسلك الثاني :
والذي عبّرنا عنه بمسلك الآليّة ، وهو عبارة عن اعتبار الواضع اللفظ آلة في تفهيم المعنى.
والفرق بين الآلية والسببيّة هو : أنّ الآلة ليست أكثر من الوسيلة التي يتوصّل بها إلى الغرض ، فهي كالمنشار بالنسبة للنجار ، فكما أنّ المنشار قد توجد وبإزائها الخشبة ومع ذلك فهي لا تنشر الخشبة إلاّ أن يأتي النجار فينشر الخشبة بها ، فكذلك اللفظ ليس له أن يخطر المعنى في الذهن إلاّ أن