يكون هذا اللفظ دالا عليها ـ وهذا الانسباق والتصوّر السريع الحاصل من اللفظ يكون علامة على أنّ هذا المعنى هو الموضوع له ذلك اللفظ ، ولو لا ذلك لاحتجنا في تصوّره من اللفظ إلى قرينة خارجة عن حاق اللفظ تدل على أنّ هذا اللفظ استعمل في ذي القرينة.
الإشكال على علاميّة التبادر :
وقد أورد على هذه العلامة بأنّ جعل التبادر علامة الحقيقة يلزم منه الدور ؛ وذلك لأنّ التبادر متوقّف على العلم بالوضع ، وهنا نريد أن نحصّل العلم بالوضع عن طريق التبادر فيكون التبادر متوقّف على عين المتوقّف عليه ـ وهو العلم بالوضع ـ.
وبتعبير آخر : تنشأ العلاقة الدلاليّة بين اللفظ والمعنى عن طريق العلم بالوضع لأنّه ما لم نعلم بالوضع لا يكون اللفظ عندنا دالا على المعنى ، نعم إذا علمنا بالوضع تبادر المعنى بمجرّد إطلاق اللفظ ، وهذا يعني أن التبادر معلول للعلم بالوضع ، ونحن في مفروض البحث نجهل بالوضع ونبحث عن ما يرفع عنّا الجهل بالوضع فإذا ادّعينا أن التبادر يرفع الجهل بالوضع فهذا خلف ما ذكرناه من أنّ التبادر معلول للعلم بالوضع إذ أنّ التبادر بناء على هذه الدعوى يكون علّة لتحصيل العلم بالوضع ، وهذا مستحيل بعد افتراض كونه معلولا للعلم بالوضع إذ يلزم منه أن يكون التبادر معلولا وعلّة لشيء واحد ، فهو علّة للعلم بالوضع ومعلول للعلم بالوضع. وهذا هو معنى أن التبادر متوقّف على المتوقّف عليه إذ أنّه متوقّف على العلم بالوضع الذي هو متوقّف على التبادر ، فالتبادر متوقّف ومتوقّف عليه ، أي : معلول وعلّة لشيء واحد وهو العلم بالوضع كما أنّ العلم بالوضع معلول وعلّة لشيء واحد وهو التبادر.