الجواب الأوّل :
وقد أجيب عن هذا الإيراد بنفي الدور ، وذلك بأنّ المتوقّف غير المتوقّف عليه ، وبيان ذلك :
إنّ التبادر وإن كان متوقّفا على العلم بالوضع إلاّ أنّه العلم الارتكازي بالوضع والذي ينسجم مع الغفلة والذهول عن تفاصيل الوضع. والذي يحقّقه التبادر هو العلم التفصيلي بالوضع.
إذن التبادر علّة لشيء ومعلول لشيء آخر فهو علّة للعلم التفصيلي بالوضع ومعلول للعلم الارتكازي الإجمالي بالوضع. وكذلك العلم بالوضع العلّة غير العلم بالوضع المعلول إذ أنّ العلم بالوضع العلّة هو العلم الارتكازي بالوضع والعلم بالوضع المعلول هو العلم التفصيلي بالوضع.
وحتى يكون الجواب مأنوسا أكثر نقول : إنّ هناك فرقا بين العلم التفصيلي وبين العلم الارتكازي ، فالعلم التفصيلي هو ما يكون المعلوم فيه جليّا وواضحا من تمام حيثيّاته ، بحيث لا يكون على ذلك المعلوم أي غشاوة مهما رقّت.
ونمثّل على ذلك بقول الله تعالى حاكيا عن أحبار اليهود ورهبانهم في أنّهم يعرفون النبي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنّه النبي الموعود ، قال الله عزّ وجلّ : ( يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ ) (١) ، فالقرآن الكريم يشير إلى أنّ أحبار اليهود يعرفون النبي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم معرفة تفصيليّة لا يشوبها أدنى شكّ كما أنّ معرفتهم لأبنائهم معرفة تفصيليّة.
__________________
(١) سورة الأنعام : آية ٤٠