الجواب الثاني على إشكال الدور :
إنّ إشكال الدور يكون له وجه لو كان الباحث عن المعنى الحقيقي هو عين الذي حصل له التبادر ، أما إذا كان الباحث عن المعنى الحقيقي للفظ هو غير الذي حصل له التبادر ، ففي مثل هذه الحالة لا يكون الدور متصوّرا إذ أن الذي حقّقه التبادر وإن كان هو الكشف عن المعنى الحقيقي ولكن لطرف ثان وهو الجاهل بأصل الوضع ، فيكون التبادر معلولا للعلم بالوضع لمن حصل له التبادر ويكون علة للعلم بالوضع بالنسبة للطرف الثاني وهو الباحث عن المعنى الحقيقي.
وهذا هو الذي يحصل للباحثين عن معاني بعض مفردات لغة من اللغات ولم يكونوا من أهل تلك اللغة ، فإنهم يرجعون إلى ما يتبادر في أذهان أهل تلك اللغة عند إطلاق هذه المفردات لغرض التعرّف على المعاني الحقيقيّة لتلك المفردات.
الجواب الثالث على إشكال الدور :
وهو يتناسب مع نظرية القرن الأكيد وحاصله : أننا ذكرنا ـ فيما سبق ـ أن الاقتران الخارجي بين اللفظ والمعنى يقتضي أن يحدث الذهن ـ وبحسب طبعه وتكوينه ـ ربطا وعلاقة بين اللفظ والمعنى هذه العلاقة توجب تصوّر المعنى بمجرّد سماع اللفظ.
إذن تصوّر المعنى من اللفظ بناء على هذه النظرية لا يتوقّف على العلم بالوضع بل هو متوقّف على نفس الوضع ، وهي تلك العلاقة التي أحدثها الذهن بحسب طبعه عندما رأى الاقتران الخارجي مستوثقا بين اللفظ والمعنى.