مورد السيرة يهدّد أغراض الشارع ، فيكون سكوته عنه تفويتا لها ، بل إنّ السكوت في مثل هذه الحالات من أجلى مصاديق نقض الغرض.
وكذلك هو مقتضى ظهور حال المعصوم عليهالسلام عند عدم المواجهة لهذا الارتكاز المتأصّل ، فإنّه لمّا كان هو المتصدّي لتبليغ أحكام الشريعة ، والمصحّح لما عليه المجتمع من أخطاء والمقوّم لما اعوجّ من طائقهم وسيرهم ، فإنّ هذه المرتكزات لو كانت منافية للشريعة لكان قد تصدّى لبيان فسادها ، إذ أنّ هذا هو مقتضى مسؤوليّته الملقاة عليه من قبل الشارع ، فيكون ظاهر حال المعصوم عليهالسلام هو قبول هذه المرتكزات العقلائيّة في حال عدم الردع عنها.
وبهذا يتّضح أنّ دليل حجيّة السيرة العقلائيّة هو عين ما استدل به على دليليّة السكوت على الحكم الشرعي.
ومن هنا يتّضح فساد ما وقع من بعض الأصوليّين ، من أنّ مناط حجيّة السيرة العقلائيّة هو أنّ الشارع سيّد العقلاء ، وإذا كان كذلك فكلّ ما يتبانى عليه العقلاء فهذا يعني مشموليّة الشارع لذلك التباني ، إذ أنّه من العقلاء بل هو أولاهم به لكونه سيّدهم وملهمهم ، ولو تمّ هذا البيان لكانت السيرة العقلائيّة حجّة برأسها لا تحتاج إلى إمضاء فلا تكون من صغريات دليليّة السكوت.
إلاّ أنّ هذا البيان فاسد وذلك لأنّ افتراض الشارع سيّد العقلاء بنفسه يوجب نشوء احتمال اختصاصه بمدركات لاتصل إليها مدركات سائر العقلاء ، وبذلك تكون كلّ سيرة عقلائيّة تحتمل عدم مقبوليّتها من قبل الشارع ، لاحتمال اشتمال منشئها على بعض الثغرات المدركة من قبل الشارع