يقال « حرّمت الخمرة لإسكارها » فهذا يعني أنّ مطلق ما يوجب الإسكار حرام وإن كان من غير سنخ الخمرة وذلك لعموم التعليل.
والمقام من هذا القبيل ولذلك تكون هذه العلّة المعمّمة قرينة على عدم إرادة المفهوم من الآية الكريمة أو لا أقلّ أنّها صالحة للقرينيّة ؛ إذ أنّ العلل المنصوصة ـ كما قلنا ـ صالحة لتعميم الحكم لغير موردها. وإذا كانت العلّة صالحة للقرينيّة فهذا يقتضي إجمال المراد وأنّ المولى هل أراد المفهوم من الآية الكريمة أو لا؟
الجواب عن هذا الإيراد :
وقد أجيب عن هذا الإيراد بثلاثة أجوبة :
الأوّل : إنّ الإصابة بجهالة ـ والتي هي علّة الحكم ـ تعني العمل السفهي ، فكلّ عمل لا يستند إلى الضوابط العقلائيّة يطلق عليه العرب عمل بجهالة ولذلك قال الشاعر عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجهلن أحد علينا |
|
فنجهل مثل جهل الجاهلينا |
فأطلق على التعدّي بغير حق عنوان الجهالة ، والمقام من هذا القبيل إذ أنّ ترتيب الأثر على خبر الفاسق والذي لا يتحرّز عن الكذب ينافي ما عليه العقلاء ولذلك يكون العمل به عملا بجهالة.
ومع اتّضاح معنى الجهالة في استعمالات العرب يتّضح عدم شمول الحكم المعلّل بالجهالة لخبر العادل إذ أنّ سيرة العقلاء جاريّة على ترتيب الأثر على خبره ممّا يكشف عن أنّه متوفّر على الضوابط العقلائيّة ؛ إذ أنّ العقلاء بما هم عقلاء لا يجرون إلاّ على ما هو مناسب لمقتضى المرتكزات