تصحّح العمل بكلّ رواية متضمّنة لحكم استحبابي. وهذا هو معنى جعل الحجيّة لأخبار السنن أيّا كان إسنادها ودرجة الوثوق بصدورها.
إلاّ أنّ الصحيح أنّ روايات ( من بلغ ) غير متعينة في المعنى المذكور ، بل إنّها محتملة لمعان يكون المعنى المذكور أحدها. وبيان ذلك :
أنّ المعاني المحتملة من روايات « من بلغ » أربعة :
المعنى الأوّل : أنّ روايات « من بلغ » متصدّية لجعل الحجيّة لمطلق الخبر الواصل إذا كان مضمون الخبر استحباب فعل. وهذه الحجيّة إنما هي مجعولة في ظرف الشك وعدم العلم بمنافاة مضمون الخبر للواقع.
وبهذا يتّضح أنّ الإستحباب الثابت للخبر بروايات « من بلغ » هو استحباب ظاهري.
المعنى الثاني : أن تكون روايات « من بلغ » متصديّة لبيان حكم واقعي وهو استحباب الفعل الذي بلغ عليه الثواب ، وهذا الحكم الواقعي المنشأ بواسطة روايات « من بلغ » هو حكم واقعي ثانوي ، أي أنّ تعنون الفعل بكونه قد بلغ عليه الثواب موجب لاستحباب ذلك الفعل واقعا وإن كان الفعل في حدّ نفسه لو لم يبلغ عليه الثواب لما كان مستحبا.
ويمكن تنظير ذلك بالفعل المنذور فإنّه في حدّ نفسه لو لم يقع متعلّقا للنذر لا يكون واجبا ولكن لوقوعه متعلّقا للنذر صار واجبا ، فالوجوب الثابت للفعل المنذور وجوب واقعي إلاّ أنه ثانوي ، والمراد من الثانوي أنّه لو خلّي ونفسه لما اقتضى عروض الوجوب عليه ، وكونه واقعيا باعتبار أنّ ثبوت الوجوب له ليس في ظرف الشك في الحكم الواقعي له بل إنّ الوجوب ثابت له دون واسطة.