يلاحظ المولى ما هو الأهم من هذه الأحكام في نظره فيجعل الوظيفة على طبق الحكم الأهم في نظره لغرض المحافظة عليه وإن كان سيؤول إلى الوقوع في مخالفة بعض الأحكام الواقعية ولكنّ هذا حاصل على أيّ حال لفرض الجهل بالأحكام الواقعية ، فالغرض من جعل الحجية لهذا النوع من الحكم دون غيره هو أهميّته على غيره من الأحكام في نظر المولى ، فمثلا المولى حينما يجعل البراءة في موارد الشك في الوجوب وعدمه يكون قد لاحظ أهمية الترخيص والسعة وإطلاق العنان ـ للمكلّف ـ على الأحكام الوجوبية فهو وإن كان سيؤدي ذلك إلى الوقوع في مخالفة الواقع وترك بعض الواجبات ولكن ذلك أهون في نظر المولى من تفويت مصلحة الترخيص والتسهيل على العباد.
وهكذا الكلام في أصالة الطهارة وأصالة الحل.
نعم قد يلاحظ المولى في مقام جعل الأصل العملي شيئا آخر بالإضافة إلى نوع الحكم المشكوك وأهميته وهو كون هذا الأصل له نحو كشف وإن كانت هذه الكاشفية ليست هي الملاك التام لجعله بل هي بالإضافة إلى نوع الحكم المشكوك وأهميته ، ومثال ذلك قاعدة الفراغ ـ الحاكمة بصحة العمل المفروغ عنه في ظرف الشك في صحته ـ فإنّ منشأ جعلها شيئان كل واحد منهما يمثل جزء الملاك.
الأول : كاشفية الفراغ عن العمل على الإتيان به صحيحا ، إذ غالبا ما يكون المكلف ملتفتا أثناء ممارسته لعمله ، وهذا يقتضي الإتيان به على وجهه ، وهذا ما يعبّر عنه بأصالة الالتفات والأذكرية التي تشير إليها