ومبرّر جعل هذا البحث في خاتمة المباحث الأصولية أنّ الفقيه بعد تحديد الأدلّة العامة بقسميها يواجه في بعض الأحيان مشكلة وهي تعارض هذه الأدلّة ، فلا بدّ من البحث عن كيفية علاج هذه المشكلة.
والتعارض بين هذه الأدلّة على أنحاء ، فقد يكون التعارض بين دليلين من القسم الأول كالتعارض بين خبر ثقة وظهور آية ، أو بين دليلين من القسم الثاني كالتعارض بين أصالة البراءة وأصالة الاستصحاب.
فلا بدّ للفقيه من معالجة هذه المشكلة ، ومن الواضح أن هذه المشكلة لا تواجه الفقيه إلا بعد تحديد الأدلة وتنقيحها ، لذلك جعلها المصنّف رحمهالله في خاتمة المباحث الأصولية.
إذن فالطريقة التي سوف يسير عليها المصنّف رحمهالله في عرضه لمباحث الأصول يمكن إجمالها في بحثين وخاتمة.
الأوّل : البحث عن الأدلّة المحرزة.
الثاني : البحث عن الأصول العمليّة.
والخاتمة : في علاج التعارض بين الأدلّة.
إلاّ أن المصنّف رحمهالله ـ وقبل الشروع في عرض هذه المباحث ـ قدّم مقدّمة بحث فيها عن حجيّة القطع ، وقبل بيان المبرّر لذلك لا بدّ من إجمال معنى حجية القطع وإن كان سيقع الحديث عنه مفصلا فيما بعد.
المراد من القطع هو : الانكشاف التام الذي لا يبقى معه أي احتمال للخلاف.
وبعبارة أخرى : القطع هو : العلم ووضوح الرؤية لمتعلقه ، فمعنى القطع بوقوع حادثة معيّنة ـ التي هي متعلّق القطع ـ أن وقوع هذه الحادثة