الأعشى :
شتّان ما يومي على كورها |
|
ويوم حيّان أخي جابر |
فيا عجباً ! بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته ! لشدّ ما تشطّرا ضرعيها ، فصيّرها في حوزة خشناء ، يغلظ كلمها ، ويخشن مسّها ، ويكثر العثار فيها ، والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحّم ، فمني الناس ـ لعمر الله ـ بخبط وشماس ، وتلوّن واعتراض.
فصبرت ، على طول المدة ، وشدّة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله ، جعلها في جماعة زعم أني أحدهم ! فيا لله وللشورى ، متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أُقرن إلى هذه النظائر ! لكنّي أسففت إذ أسفّوا ، وطرت إذ طاروا. فصغا رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن ، إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه ، بين نثيله ومعتلفه. وقام معه بنو أبيه ، يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته.
فما راعنى إلّا والناس كعرف الضبع إلي ، ينثالون علي من كلّ جانب ، فلمّا نهضت بالأمر ، نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون ، كأنّهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) بلى والله ، لقد سمعوها ووعوها ،
______________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٨٣.