نعم ، هناك أمر آخر وهو أن الاحتياط في المقام ممكن في نفسه أو غير ممكن وهو بحث صغروي ، والظاهر عدم إمكانه في المقام إلاّ بالتكرار بناء على ما سلكناه من عدم وجوب الوضوء في الاستحاضة الكثيرة ، وذلك لما ذكرناه سابقاً من لزوم المبادرة إلى الصلاة في حق المستحاضة بعد الطهارة وأن الفصل بينهما مانع عن صحتهما.
فعلى ذلك لو توضأت المرأة واغتسلت ثم صلّت ، فعملها هذا وإن كان موافقاً لاحتمال الاستحاضة المتوسطة والكثيرة إلاّ أنه لا يوافق الاستحاضة القليلة لتخلل الغسل حينئذ بين الطهارة والصلاة ، وهو أمر أجنبي فصل بينهما فتبطل طهارتها وصلاتها.
ولو إنها عكست الأمر فاغتسلت أولاً ثم توضأت فقد وافقت احتمال الاستحاضة القليلة وخالفت احتمال الاستحاضة الكثيرة عندنا ، لاعتبار اتصال الغسل فيها بالصلاة ، لكلمة « الفاء » الواردة في رواياتها (١) و « أنها اغتسلت فصلّت » فلا يمكنها الإتيان بصلاة واحدة مستجمعة لاحتمالات القليلة والمتوسطة والكثيرة ، ومع الاحتمال لا يمكنها الاقتصار على ما أتت به.
نعم ، بناء على مسلك المشهور من وجوب الوضوء في الكثيرة لا مانع من الاحتياط ، وكذلك في المتوسطة ، لما يأتي من أن المرأة في موارد وجوب الجمع بين الوضوء والاغتسال تتخير في تقديم كل منهما وتأخيره.
نعم ، لها أن تكرر الصلاة فتصلِّي بالوضوء مرة ثم تتوضأ وتغتسل وتصلِّي مرة أُخرى ، وبذلك تقطع بفراغ ذمتها على جميع التقادير المحتملة في حقها ، هذا.
ثم إن الاختبار المستفاد من الروايتين المتقدمتين (٢) غير الاختبار الذي أوجبه الفقهاء في كلماتهم ، لأنهم أوجبوا الاختبار عند كل صلاة ، مع أن الروايتين تدلان على
__________________
(١) الوسائل ٢ : ٣٧٢ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٤.
(٢) وهما صحيحتا عبد الرحمن بن أبي عبد الله ومحمد بن مسلم المذكورة في المشيخة وتقدّم ذكرهما في صدر المقام.