كما أنا لا يمكننا الحكم بوجوب تلك المقدمة عقلا من باب المحافظة على الملاك الشرعي في التكليف الآتي المتعلق بذي المقدمة ، لما عرفت من أن العقل لا يحكم علينا بلزوم المحافظة على ملاكات التكاليف الشرعية ، بل إنّ ذلك إنما هو وظيفة الشارع خاصة.
وأما استكشاف ذلك الوجوب الشرعي الوارد على تلك المقدمة من حكم العقل بأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار كما يظهر من الكلمات في هذا التحرير ، ففيه :
أوّلا : أن هذا الحكم العقلي على تقدير تسليمه إنما هو في المرحلة المتأخرة عن ثبوت التكليف ، فان هذا الحكم العقلي راجع إلى بيان أن من فوّت تلك المقدمة مستحق للعقاب لكونه عاصيا بسوء اختياره ، وأن هذا الامتناع الناشئ عن تقصيره في المقدمة لا يكون موجبا للمعذورية. وأين هذا الحكم العقلي الراجع إلى تسجيل العصيان واستحقاق العقاب على ذلك المكلف من كونه كاشفا عن حكم شرعي ، وهو وجوب تلك المقدمة شرعا الذي هو المنشأ في تسجيل ذلك العصيان الموجب لاستحقاق العقاب.
وثانيا : أن ذلك لو تم لجرى في كل مقدمة يكون التقصير من ناحيتها موجبا لسلب القدرة على الواجب النفسي.
وثالثا وهو العمدة : أن هذه القاعدة لم يرد بها نص ولم يقم عليها إجماع ، أعني أنها ليست بثابتة شرعا ، وإنما هي من باب حكم العقل باستحقاق العقاب. ونحن في شك من هذه الحكومة العقلية فيما نحن فيه أعني ما لو لم يحصل فعلا شرط الوجوب ، وأن المكلف لو ترك مقدمة في ذلك الحال يكون بنظر العقل مستحقا للعقاب ، ويكون هذا التعذر الناشئ