قدمناه (١) من أنه لو ثبت بالدليل الشرعي التكليف بتلك المقدمة لكان مقبولا موجّها بكونه من قبيل متمم الجعل.
وأما المثال الذي افيد من حكم العقلاء بلوم تارك حمل الماء لقاطع المفازة فهو مسلّم ، إلاّ أن ذلك لمّا كان من قبيل متمم الجعل بمعنى أن ذلك الشخص القاطع لتلك المفازة تكون له ارادة لشرب الماء مشروطة بالعطش في تلك المفازة ، وملاك تلك الارادة هو حفظ نفسه من التلف ، كانت إرادته المتعلقة بحمل الماء معه من قبيل إرادة تلك المقدمة المفوّتة في كونها متممة لغرضه من الأمر المشروط بما سيأتي من الزمان الآتي ، فيكون أقصى ما في هذا البرهان هو أن الشارع لا بد أن تتعلق إرادته بتلك المقدمة. وأين هذا من المدعى وهو أن عقل العبد يلزمه بالاتيان بتلك المقدمة محافظة على إرادة الشارع الآتية فيما بعد ذلك.
والحاصل : أن هذا برهان على أن الشارع لا بدّ أن تتعلق إرادته بالمقدمة المزبورة من باب متمم الجعل ، لأنه يعلم أنه عند حصول الشرط فيما يأتي من الزمان لا يتمكن من الأمر بها وإرادتها من المكلف لفرض أنه غير قادر حينئذ ، وأين هذا من أنه لو لم يأمر الشارع بتلك المقدمة كان العقل حاكما بها تنفيذا للإرادة الشرعية الآتية.
ثم لا يخفى أن هذا الوجوب الوارد على المقدمة قبل زمان وجوب ذيها الذي نعبّر عنه بمتمم الجعل الذي قلنا إنه موقوف على ثبوته شرعا ، لا بد أن يكون مشروطا بتوجه الوجوب النفسي إليه فيما بعد ، لكنه ليس من قبيل الشرط المتأخر لأن الشرط إنما هو العنوان المنتزع من تلك النسبة
__________________
(١) في صفحة : ١٢١ ( قوله : وحاصل البحث ... ).