ثم إنّ لازم ما ذكرناه من التصحيح بالأمر الغيري مع الالتزام بكون الفعل في نفسه مستحبا هو اندكاك أحدهما بالآخر ، لأن هذه الأفعال بنفسها مركب للأمر النفسي ، وهي بنفسها مركب للأمر الغيري ، وقد دل الدليل على اعتبار العبادية في كل من الأمرين. ففي حال كونها مقدمة للصلاة الواجبة تكون واجبة ، فلو أتى بها المكلف بداعي الأمر الوجوبي الغيري تصح ، ولو أتى بها بداعي الاستحباب النفسي صحت ، لكن بما أشار إليه شيخنا قدسسره (١) من كون الذات هو ذات الطلب الاستحبابي لا بحدّه. ومع صحتها تصح الاتيان بالصلاة بعدها. وفي الحقيقة أن الذي هو المطلوب النفسي والمطلوب الغيري هو هذه الأفعال لكونها محققة للحكم الشرعي الوضعي أعني الطهارة. وهذا الحكم بعد تحققه يكون موجبا لصحة الصلاة.
وبعبارة أخرى : كون الانسان واجدا لهذا الحكم الشرعي الوضعي مستحب في نفسه وواجب غيري لكونه شرطا في صحة الصلاة ، وهو مقدور للقدرة على إيجاد موضوعه الذي هو تلك الأفعال ، فان أتى بها بداعي الاستحباب النفسي صحت وحصل شرط الصلاة قهرا وإن لم يحصل بذلك امتثاله. ولو أتى بها بداعي الأمر الغيري صحت أيضا وصح الاتيان بالصلاة بعدها ، وكانت امتثالا لذلك الأمر الغيري وإن لم تكن امتثالا لذلك الأمر الاستحبابي النفسي. وهكذا الحال فيما لو كانت الغاية مستحبة كالوضوء لقراءة القرآن ، بل وهكذا لو كانت هناك غاية مستحبة وغاية واجبة مضافا إلى كونها مستحبة نفسيا ، يكون الامتثال والثواب تابعا للأمر الذي قصده.
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٢٥٨ ، ٢٦١.