الجمع بينهما ليختار أقواهما ملاكا.
والخلاصة هي : أن الصورة الاولى من باب التضاد الدائمي ، وهي راجعة إلى باب التعارض ولازمه التزاحم الآمري ، ومقتضاه أنه لو كان أحد الملاكين أقوى عيّنه الشارع ، وإلاّ علّق الطلب بكل منهما مع الترخيص في تركه عند فعل الآخر ، أو علق الوجوب بأحدهما المصداقي.
وأما الصورة الثانية : فهي من التضاد الاتفاقي الناشئ عن اتفاق عدم قدرة المكلف على الجمع بين الفعلين ، ومقتضاه كونه من باب التزاحم المأموري ، لكن لمّا كان كل من الملاكين مشروطا بالقدرة واتفق عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما كان كل من التكليفين رافعا لموضوع الآخر ، ومقتضاه كون التزاحم آمريا ، إلاّ أن يمنع من كون التكليف بأحدهما رافعا للقدرة على الآخر ، ويدعى أنّ كلا منهما مقدور في حد نفسه فيكون التكليف به متوجها ، غايته أن المكلف لا يقدر على امتثالها ، فيكون اللازم على المكلف هو الترجيح بالأهمية ، وإلاّ حكم عقله بالتخيير بينهما.
أما لو قلنا بأن التزاحم في هاتين الصورتين مأموري فلا مجال فيه للترجيح بأقوائية الملاك ، بل يتعين التخيير العقلي في ذلك بقول مطلق ما لم يكن في البين تقدم زماني كما حرر في محله (١) ، لأن المفروض كون الملاك في كل منهما متوقفا على عدم الآخر. وهذه المرحلة من الترجيح ليست من أشغال المكلف ، بل هي من أشغال الشارع كما عرفت في التزاحم الآمري.
الصورة الثالثة : أن يكون استيفاء أحد الملاكين بأحد الفعلين موجبا
__________________
(١) راجع أجود التقريرات ٢ : ٣٦ ـ ٤٣ ، راجع أيضا المجلّد الثالث من هذا الكتاب : ٢١٩ وما بعدها.