لارتفاع ملاك الآخر ، لا من جهة عدم القدرة على الفعلين ، بل إن طبع الملاكين كان هكذا على وجه لو استوفى أحدهما بفعله يرتفع الملاك في الآخر ، وان كان المكلف متمكنا من الاتيان بالفعل الآخر إلاّ أنه يكون حينئذ خاليا من الملاك.
الصورة الرابعة : هي هذه الصورة ولكن يكون الملاك في كل منهما مشروطا حدوثا بعدم وجود الآخر. والتزاحم في هاتين الصورتين يكون آمريا محضا ، وتكون نسبة أحد الفعلين إلى التكليف بالآخر من قبيل المسقط على الاولى منهما ، ومن قبيل كون عدمه شرطا في التكليف بالآخر على الثاني منهما. وحينئذ فالمولى إن رأى أن أحد الملاكين أقوى من الآخر عيّنه ، وإلاّ خيّر بينهما بمعنى أنه يوجبهما معا ويجعل الاتيان بأحدهما مسقطا للتكليف بالآخر في الصورة الاولى ، أو يجعل عدم كل منهما شرطا في أصل توجه التكليف بالآخر في الصورة الثانية.
وهل يتأتى فيها مسلك الكفاية من الاختلاف بالهوية؟ الظاهر أن الكلام هنا عين ما تقدم ، لكن العمدة في معقولية الاختلاف بالهوية ، إلاّ أن يكون المراد بذلك هو ما ذكرناه (١) في الطلب الاستحبابي من كونه مقرونا بالترخيص في الترك ، ويكون الحال في الطلب التخييري أنه طلب بكل معنى الكلمة ، غير أنه ينضم إليه جعل ثان وهو الترخيص في الترك المقارن لوجود العدل الآخر.
وأما دعوى كون الواجب هو كل واحد منهما مع السقوط بفعل الآخر ، فان كان المراد بالسقوط بفعل الآخر حكم العقل بالسقوط بفعل
__________________
(١) راجع صفحة : ٣٥٠ وما بعدها من المجلّد الأول من هذا الكتاب.